الحمد لله.
أولا:
المشروع هو سؤال الله تعالى، فيقال: يا الله، يا رب، يا رحمن، كما قال الله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) غافر/60، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/186.
وقال النبي صلى اله عليه وسلم (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) رواه الترمذي (2516)، وصححه الألباني.
والله: الذات الموصوفة بالألوهية، والرحمن: ذات الله الموصوفة بالرحمة.
هذا هو المشروع.
ولا يشرع دعاء الصفة المجردة عن موصفها، كدعاء الرحمة أو العلم أو اليد أو الوجه، وكذا لا يشرع الاستعاذة بالصفة المجردة.
ويجوز التوسل إلى الله بصفة من صفاته، كأن يقول: أسألك بعلمك وقدرتك، أو أسألك بوجهك.
وقد سبق بيان ذلك مفصلا في جواب السؤال رقم: (283343) وما فيه من إحالات.
فدعاء الصفة وحدها ممنوع، والتوسل إلى الله بصفته جائز، ولا فرق بين صفة وصفة، فلو قال: أسألك بوجهك، جاز، ولو قال: أسألك بعينك التي لا تنام أن تحفظني، أو قال: أسألك بيدك الكريمة التي لا تغيضها نفقة أن تعطيني، جاز.
لكن التوسل باليد والعين ليس واردا في النصوص ولا في كلام السلف، فلم التكلف؟!
ففي الوارد كفاية وغنية والحمد لله، وقد نهينا عن التكلف، والتبدُّع، ولو كان تتبع الغرائب ممدوحا في أمر من الأمور، أو حتى سائغا، فهو أبعد شيء عن باب أسماء الله وصفاته، والدعاء والتضرع والتعبد والتوسل؛ فهذه كلها أبواب أثرية، سلفية، يحرص المرء فيها على لزوم الأثر، واتباع السلف.
ثانيا:
يكره سؤال شيء من الدنيا بوجه الله؛ لأن الله أجل من أن يُسأل بوجهه شيء من حطام الدنيا، وفي الحديث الذي رواه أبو داود (1671) عن جابرٍ قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: (لا يُسأل بوجْه الله إلا الجنَّةُ) .
وينظر: جواب السؤال رقم: (310850).
ثالثا:
الصورة ثابتة لله تعالى، كما روى البخاري (6227)، ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الْآن).
وروى مسلم (2612) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ).
وفي حديث الشفاعة الطويل : (فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة) رواه البخاري (7440)، ومسلم (182).
وصورته تبارك وتعالى: صفة من صفاته، لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تشبه ذواتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "لفظ الصورة في الحديث، كسائر ما ورد من الأسماء والصفات، التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله اختصت به، مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير، ومثل خلقه بيديه، واستوائه على العرش، ونحو ذلك" انتهى من بيان تلبيس الجهمية (3/396) ط. مكة.
وقال : "لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ...
ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة، جعل طائفةٌ الضميرَ فيه عائدا إلى غير الله تعالى، حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة" انتهى من "بيان تلبيس الجهمية" (3/202).
وقال ابن قتيبة رحمه الله : "الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد" انتهى من "تأويل مختلف الحديث" ص 221
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: " والمعنى عند أهل العلم أن الله خلق آدم سميعا بصيرا ، متكلما إذا شاء ، وهذا وصف الله فإنه سميع بصير متكلم إذا شاء ، وله وجه جل وعلا.
وليس المعنى التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي لله، غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء ومتى شاء، وهكذا خلق الله آدم سميعا بصيرا ذا وجه وذا يد وذا قدم، لكن ليس السمع كالسمع وليس البصر كالبصر، وليس المتكلم كالمتكلم، بل لله صفاته جل وعلا التي تليق بجلاله وعظمته، وللعبد صفاته التي تليق به، صفات يعتريها الفناء والنقص، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء، ولهذا قال عز وجل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى: من الآية11، وقال سبحانه: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) الإخلاص:4" انتهى من مجموع فتاوى ابن باز (4/226).
وينظر: جواب السؤال رقم: (20652).
والله أعلم.
تعليق