الحمد لله.
روى البخاري (6989) من حديث أبي سعيد، ومسلم (2263) من حديث أبي هريرة عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ).
وجاء بألفاظ أخر، وينظر الكلام على معناه، في جواب السؤال رقم:(175477).
وأجزاء النبوة المشار إليها في الحديث من الغيب الذي لا يُعلم إلا إذا ورد نص به، وقد قال بعض أهل العلم: إن ذلك غير معلوم، وإن الحديث لم يُسق لبيانها ، وإنما لبيان شأن الرؤيا الحسنة الصالحة.
فقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ المالكي: "أَجْزَاء النُّبُوَّة لَا يَعْلَم حَقِيقَتهَا إِلَّا مَلَك أَوْ نَبِيٌّ , وَإِنَّمَا الْقَدْر الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ يُبَيِّن أَنَّ الرُّؤْيَا جُزْء مِنْ أَجْزَاء النُّبُوَّة فِي الْجُمْلَة ، لِأَنَّ فِيهَا اِطِّلَاعًا عَلَى الْغَيْب مِنْ وَجْه مَا، وَأَمَّا تَفْصِيل النِّسْبَة، فَيخْتَصّ بِمَعْرِفَتِهِ دَرَجَة النُّبُوَّة.
وَقَالَ الْمَازِرِيّ : لَا يَلْزَم الْعَالِم أَنْ يَعْرِف كُلّ شَيْء جُمْلَة وَتَفْصِيلًا , فَقَدْ جَعَلَ اللَّه لِلْعَالِمِ حَدًّا يَقِف عِنْده , فَمِنْهُ مَا يَعْلَم الْمُرَادَ بِهِ جُمْلَة وَتَفْصِيلًا , وَمِنْهُ مَا يَعْلَمهُ جُمْلَة لَا تَفْصِيلًا , وَهَذَا مِنْ هَذَا الْقَبِيل " انتهى من "فتح الباري" (12/364).
وقد جاء في السنة بيان لشيء من أجزاء النبوة، كما روى الترمذي (2010) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ المُزَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (السَّمْتُ الحَسَنُ، وَالتُّؤَدَةُ، وَالِاقْتِصَادُ: جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي". وينظر أيضا: "حاشية مسند أحمد" ط الرسالة (4/432).
فهذا ما وقفنا عليه فيما يتعلق بأجزاء النبوة.
وبكل حال، فما يحتاجه العبد من علوم النبوة، وأحوالها، وما يتعلق بتكليفه: قد بلغه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وحفظه الله عليها، واعتنى بضبطه أئمة العلم والدين.
وأما نفس "النبوة" ومرتبتها، فلا تنال بالطلب ولا الجهد ، ولا بالبحث عن أحوالها، وتعرف أجزائها، ولو كان ذلك في أزمان النبوة ، وتتابع الرسالات؛ فكيف وقد ختمت النبوة والرسالة بنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، وانقطع الطمع فيها ، وثبت أنْ لا نبيَّ بعده ؛ فلم يبق للعبد الناصح لنفسه سوى طلب علوم النبوة ، واقتفاء آثارها.
والله أعلم.
تعليق