الحمد لله.
أولا:
الهدايا أو الأموال المتبرع بها لسبب محدد يجب على الآخذ ألا يتعدى بها هذا السبب ، ولا يجوز أن ينفقها في غير ما حدده المتبرع بها.
قال الشيخ سليمان بن عمر الجمل رحمه الله :
" لَوْ دَفَعَ لَهُ تَمْرًا لِيُفْطِرَ عَلَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُ عَلَى مَا يَظْهَرُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ نَظَرًا لِغَرَضِ الدَّافِعِ" انتهى، "حاشية الجمل على شرح المنهج" (2/328) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين : رجل أخذ مالاً من أهل الخير يستعين به على الزواج، فزاد المال ، هل يرجعه لمن أعطاه أم يتصرف به على ما يعينه على أمور دينه ودنياه ؟
فأجاب رحمه الله : " يقول أهل العلم رحمهم الله : إن الصدقات تحل حتى للغني، فإذا كان الذين أعطوه من المال أعطوه على أنه صدقة ، فهو له يتصرف فيه كما يشاء.
وإن كان الذي أعطوه من المال من الزكاة لهذا الغرض نفسه – أي : غرض الزواج - ، فإن ما زاد يجب عليه أن يرده لهم ؛ لأنه غني عنه ، فإن احتاجه لشيء آخر كتأثيث البيت مثلاً ، فليستأذن من هؤلاء. يقول : المهر وما يتعلق بالزواج انتهى وبقي معي فلوس ، ولكني محتاج إلى أشياء أخرى ، فهل تسمحون أن أصرفها فيها ؟ فإذا قالوا : نعم ، فلا بأس ، وإلا ردها عليهم.
والقاعدة عندنا في هذا : أن من أخذ من الناس أموالاً لشيء معين ، فإنه لا يصرفها في غيره إلا بعد استئذانهم" انتهى من "اللقاء الشهري" .
وعلى هذا؛
فالأصل في هذه الأطعمة أنها صنعت من أجل الطلاب، فلا يجوز أن ينتفع بها غيرهم.
فإن كانت الأطعمة المتبقية من "المعلبات"، ونحوها مما يمكن الاحتفاظ به لمرات قادمة؛ فهذا الواجب فيها؛ ألا يتصرف فيها لشيء آخر، سوى ما بعثه أصحابها لأجله، ولو بالصدقات؛ بل إما أن يرد الباقي على أصحابه، إن كان ذلك ممكنا، أو يحتفظ به لمرات قادمة.
وأما ما لا يمكن حفظه، من الأطعمة المطبوخة، ولم يمكن رده على أهله، أو لم تجر به العادة، أو يعلم أن أصحابه بذلوه، ولا ينتظرونه؛ فهذا يشترك الناس في أكله ، في داخل المدرسة، أثناء الفعالية، ولا يحملونه إلى بيوتهم، بل ينبغي أن يتنزهوا عن مثل ذلك.
وإن كان الباقي أكثر، وزع على الفقراء من العمال ونحوهم، ولو كان في المعلمات فقراء، فلهم أن يأخذوا منه.
وبكل حال؛ فاللائق بحال المعلمين والمعلمات: أن يتنزهوا عن طعام الناس، والاستشراف إلى أموالهم، ويتعففوا عنه؛ فإن ذلك من كرامتهم، وتمام خلقهم، ومما يحفظ لهم مروءتهم أمام الطلاب.
وكلما أمكن بيان الحال لأسر التلاميذ، كان أفضل؛ فإما أن يرسلوا من الطعام ما لا يزيد عما يحتاجه الأمر، أو يأذنوا بالتصدق ببقيته، أو إعطائه لمن يرون.
وينبغي أيضا التقليل من مثل هذه الفعاليات، قدر الإمكان؛ لئلا تتحول إلى ذريعة إلى الاستشراف إلى أموال الناس، والنظر إلى ما في أيديهم؛ وليقطع العاملون طمع أنفسهم عن أموال الناس، وأطعمتهم، وأرزاقهم.
فعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ:
يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى.
قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا، حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا!!
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى العَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ، أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ".
رواه البخاري (1472) ومسلم (1035).
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، رضي الله عنه قَالَ: " رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، وَقَالَ:
يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ شَدِيدٌ، لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟
قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: تَعَفَّفْ ... رواه أحمد (21325) وغيره، وصححه الألباني.
وقد تقدم في جواب السؤال رقم: (229549) أنه لا يجوز للمعلم أن يتلقى هدايا من الطالب في الفترة التي يدرسه فيها، خوفًا من أن يكون هناك محاباة في الدرجات بسبب تلك الهدايا.
والله أعلم.
تعليق