الحمد لله.
من أهم ضوابط تحريم هدايا العمال والموظفين وأصحاب الولايات : أن يكون هناك احتمال أن تؤدي الهدية إلى معاملة خاصة ، أو درجة خاصة ، أو أخذ ما ليس بحق للمهدي ؛ وذلك أن الشريعة الإسلامية شريعة العدالة التامة والحمد لله ، تسعى لسد أبواب الفساد كلها ، مهما صغرت ، ولذلك وردت النصوص العديدة في تحريم هدايا العمال ، كي لا تكون البديل " المحسَّن " عن الرشوة الحقيقية ، وكي لا يسقط المجتمع في آفة الفساد والمحسوبية .
ومن هنا فالواجب على الطالبات اجتناب الإهداء لمعلماتهن ، ما دمن داخل المرحلة التعليمية التي تتولاها معلماتهن ، وما دامت شبهة المحاباة - بمنح العلامات أو تخفيف الواجبات - قائمة ، سواء أهدت طالبة واحدة ، أم مجموعة من الطالبات معا ، وسواء كانت المهدى إليها معلمة واحدة ، أم جماعة من المعلمات ، وسواء ـ أيضا ـ كانت الهدية نقدية ، أم عينية ، أم احتفالا وداعيا ، فالحكم في هذا كله سواء ، هو المنع والتحريم ؛ لأنها – في جميع هذه الأحوال – بمعنى هدايا العمال التي قال عنها نبينا صلى الله عليه وسلم : ( هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ ) رواه الإمام أحمد في " المسند " (39/ 14) ، وحسنه ابن الملقن في " تحفة المحتاج " (2/ 572)، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (7021).
ولا يستثنى من الأسئلة الواردة إلا أن تجعل الهدية بعد ظهور نتائج الطالبات ، وبعد بلوغ الطالبات مرحلة التخرج من المدرسة ، وانقطاعهن عن تعليم المعلمة المهدى إليها ، وسلطانها على الطالبات ؛ ففي هذه الحالة ينتفي احتمال المحاباة ، وشبهة التفضيل ، وتغدو الهدية رسالة عرفان وشكر وامتنان ، تؤجر عليها الطالبة بإذن الله .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :
" هل يجوز للمعلمة قبول الهدية من الطالبات . وإذا كان لا يجوز لها ذلك ، هل يجوز
قبولها بعد انتهاء العام الدراسي وتسليم النتائج . وإذا كان ذلك أيضا لا يجوز ، فهل
يجوز لها قبولها من الطالبات بعد انتهاء مدة تدريسها في تلك المدرسة إذا أرادت
الانتقال من هذه المدرسة لمدرسة أخرى ؟
فأجاب بقوله :
الواجب على المعلمة ترك قبول الهدايا ؛ لأنها قد تجرها إلى الحيف وعدم النصح في حق
من لم يهد لها ، والزيادة بحق المهدية ، والغش ، فالواجب على المدرسة أن لا تقبل
الهدية من الطالبات بالكلية ؛ لأن ذلك قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه ، والمؤمن
والمؤمنة عليهما أن يحتاطا لدينهما ، ويبتعدا عن أسباب الريبة والخطر .
أما بعد انتقالها من المدرسة إلى مدرسة أخرى فلا يضر ذلك ؛ لأن الريبة قد انتهت
حينئذ ، والخطر مأمون ، وهكذا بعد فصلها من العمل ، أو تقاعدها إذا أهدوا إليها
شيئا ، فلا بأس " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (20/ 63-64) .
ويقول الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" الممنوع أن الأستاذ والمدرس يأخذ الهدية من الطالب إذا خاف أنه يميل معه ، أي :
أنه إذا أهدى إليك مالت نفسك معه ، فتقدمه على غيره ، وتتغاضى عن هفواته ، وتجبر
نفسه ، وتزيد في درجاته ، وتتساهل في التصحيح معه ، وما أشبه ذلك مما تفضله به على
غيره ، ففي هذه الحال لا يحق للمدرس أن يقبل من هذا ، ولو أنه قد أحسن إليه ، ولا
يحق للطالب أن يهدي له وهذا غرضه .
وأما إذا كان قد انتهى من الدراسة ، وانتهى من هذه المدرسة ، ونجح منها ، وعزم على
أن ينتقل إلى جامعة أو إلى مدرسة أخرى ، فلا مانع من أن يهدي إليهم هدايا مكافأة
لهم ، وأن يستضيفهم ويكرمهم أو يهديهم كتباً ، أو يهديهم أقلاماً ثمينة ، أو ساعات
، أو حقائب ، أو كسوة ، أو ما أشبه ذلك ، وهذا من باب رد الجميل ، يعني : رأى منهم
حسن معاملة معه ومع غيره ، فأراد مكافأتهم " انتهى من " شرح أخصر المختصرات " (64/
48، بترقيم الشاملة آليا) .
وقد سبق في موقعنا العديد من الفتاوى التي تبين هذا التفصيل في حكم الهدايا .
(22762) ، (139393) ، (148923)
والله أعلم .
تعليق