الحمد لله.
أولًا:
لا شك أن المشكلات الأسرية بين الأبوين تؤثر على الأبناء تأثيرًا بالغًا، وتتناسب شدة هذا التأثير، مع حجم المشكلات، وعنفها، وعمق أثرها.
ولا شك أيضا أنك قد عانيت كثيرًا، ولا زلت تعاني، من أثر هذه المشكلات.
فنسأل الله أن يربط على قلبك، وأن يعينك، ونسأله سبحانه أن يصلح ذات بينِ أبويك، وأن يعينك على البر بهما.
ثانيًا:
هناك عدة جوانب من الإساءات المتبادلة بين والديك، نحن لا نحيط بها علما، نسأل الله أن يغفر للمسيء منهما، وأن يهديه طريق الإصلاح وأداء الحقوق.
والذي يسعنا بيانه هنا هو أن والدك له حق عظيم عليك من البر ، وعدم العقوق ، وأن هذا الحق لا يسقط بسبب تلك الخلافات التي ذكرتها ، وأنه لا يزال هو صاحب القوامة في هذا البيت، وأن طاعته واجبة على والدتك، ما دام لا يأمرها بمعصية ، أو بأمر فيه ظلم وتعسف.
ومن الواضح أن والدتك لا تسلك الطريق الشرعي لحل مشكلاتها مع والدك، وهذا المسلك الذي تسلكه هي الآن: هو نوع من مكافأة الإساءة بالإساءة؛ إنه محض "انتقام" من زوجها!! وهذا لا يزيد الأمر إلا سوءا.
والله عز وجل جعل محور العلاقة الشرعية بين الزوجين المودة والرحمة والمعاشرة بإحسان، ولعلها إن حاولت طي صفحة الماضي، ومحاولة التعايش، ولو بأقل ما يمكن من أصول العشرة بين الزوجين، من مراعاة النبل، والمروءات، ومصلحة البيت، ومستقبل الأولاد؛ لعلها إن فعلت ذلك ، أو حاولت، أن يتغير حال والدك، وتحسن العشرة بينهما ، وعند الشعور باستحالة العشرة يكون الفراق بالإحسان والمعروف أيضًا.
ولعل الوالدين، لو سعيا، أو سعى أحد منهما ، إلى توسيط أحد من أهل الحكمة والعقل، ليتدخل بينهما، ويرسم حدود العلاقة الشرعية، أن يكون خيرا لكم جميعا.
فإن لم يفعل أحدهما ذلك، ورجوت أن يقوم بهذا الدور بعض الأمناء، الناصحين، فلا بأس عليك أن توسطه أنت؛ فلعله أن ينصلح حال البيت.
أما أن تدار العلاقة على سبيل الانتقام من إساءات الماضي ، وأن تكون أنت جزءًا من العملية الانتقامية؛ فهذا مسلك غير شرعي ، وغير محمود ، وغير مفيد أيضًا.
ثالثًا:
بما أن والدك لا يزال هو صاحب القوامة ، وله حق البر عليك ، فلا يجوز لك ولا لغيرك أن تحول بينه وبين دخول أي جزء من بيته، ولا يجوز أن تكون أنت حارس بوابة ، فتقف في وجه أبيك!!
فلا يحل لك، بل ولا لأمك أن تمنع أباك من دخول أي مكان في البيت ، كما لا يجوز لك إذا رن الجرس عليك ، أو سألك ، وناداك ؛ لا يجوز لك أن تهمل إجابته، أو تتجاهله ؛ فهذا من العقوق الذي لا يخفى، وسوء الأدب مع والدك.
ومثله، أو أشد منه: أن تمنعه من أن يأكل شيئا مما في بيته، فإنه ينفق على البيت، وهو صاحبه، ولو كانت أمك هي التي تشتري الطعام، فلأبيك الحق في أن يأكل من "كل" ما في بيته، وأن ينتفع بـ"كل" ما في "بيته"!!
وينبغي أن تبين لوالدتك بلطف أنك لا تستطيع أن تقف في وجه أبيك ، وارفض بلطف إدخالك في هذه المعارك.
وإن غضبت والدتك، فاسترضها بلطف، واترك عامل الزمن يعمل عمله، إن استمرت في غضبها ، لكن لا تتورط في صراع مع والدك ، أو منعه من دخول أي جزء من أجزاء بيت الزوجية الذي يجمعه بوالدتك.
ونرجو منك الاطلاع على جواب الأسئلة التي برقم: (10680)، (372880)، (133983)، (22782)، (125523).
والله أعلم.
تعليق