الأربعاء 19 جمادى الأولى 1446 - 20 نوفمبر 2024
العربية

موقف الأولاد من الخلافات بين والديهم ، وكيف يتصرفون معها

133983

تاريخ النشر : 25-07-2009

المشاهدات : 79003

السؤال

مَن الذي يجب عليَّ مؤازرته في حالة وجود خلاف عائلي ، أبي أم أمي ؟ أم هل ينبغي البحث عن الحقائق ومعرفة من المخطئ ومن المصيب ؟ هل لأبي عليَّ حقوق أكثر من أمي أم العكس ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

طاعة الوالدين ، وبرهما ، والإحسان إليهما : فريضة أمر الله بها , قال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) الإسراء/ 23 ، وهي من أعظم الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى الله .

عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود  قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : ( الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا ) ، قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ( ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ) ، قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ( الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) .

رواه البخاري ( 504 ) ومسلم ( 85 ) .

ومن البر بالوالديْن : أن تسعى في تقليل الخلاف الواقع بينهما ، وذلك بالنصح ، والتذكير قدر الاستطاعة ، والاعتذار للمظلوم منهما ، وتطييب خاطره , وترضيته بالقول ، والفعل .

وانظر جواب السؤال رقم : ( 22782 ) .

ثانياً:

الخلاف بين الوالدين : لا يكاد يخلو منه بيت من البيوت , وهذا بيت أكرم الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يخلُ منه  , فقد طلَّق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة ، ثم راجعها , و آلى من نسائه شهراً -  أي : حلف أن لا يقربهن شهراً – واعتزلهن خارج بيوتهن , وعلى المسلم في علاج مثل هذه الخلافات : أن يحكِّم الشرع ، لا العاطفة ، ليصل في نهاية المطاف إلى الظالم فيذكره بالتوبة ، وإرجاع الحق ، وليصل إلى المظلوم فيعطيه حقه ، وينصفه ممن ظلمه ، وهذا ما يجب أن يفعله كل حكَم بين متخاصميْن ، فإذا كانت الخصومة بين والديه : كان أدعى لأن يسارع برأب الصدع ، وتذكير الظالم ، ونصحه ، حتى لا يتصدع بناء الأسرة بتلك الخلافات ، مع ضرورة التأدب في الخطاب ، واللين في الكلام مع والديه ، فلا يعنِّف ، ولا يجرح ، ولا يواجه بغلظ الكلام .

ومن المهم أن يُقضى على أسباب الخلاف بين والديك ، حتى لا تتكرر الخلافات مرة أخرى ، ومعرفة المخطئ ، حتى لا يعيد المخطئ خطأه مرَّة أخرى ، وحتى يذهب ما في قلب المظلوم من حزن ، وأسى .

ولتعلم – أخي السائل – أن نجاحك في الإصلاح بين والديك : يعني بقاء الأسرة متماسكة ، متلاحمة ، قوية ، مع ما يشيع فيها من المودة ، والرحمة بين أطرافها جميعهم ، وقد جعل الله تعالى الإصلاحَ بين الناس عموماً من أهم أسباب حصول الرحمة بينهم، فكيف بالإصلاح بين الوالدين ؟! قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون ) الحجرات/ 10 .

وفي الإصلاح بين والديك : قطع الطريق على الشيطان في تحقيق أعظم إنجازاته ! وهو التفريق بين الزوجين .

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئًا ، قَالَ : ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ، قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ - وَيَلْتَزِمُهُ - وَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ ) .

رواه مسلم ( 2813 ) .

ثالثاً:

مما لا شك فيه أن حق الأم أعظم من حق الأب ، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : ( أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ( ثُمَّ أَبُوكَ ) .

رواه البخاري ( 5626 ) ومسلم ( 2548 ) .

قال النووي - رحمه الله - :

وفيه الحث على برِّ الأقارب ، وأن الأم أحقهم بذلك ، ثم بعدها الأب ، ثم الأقرب فالأقرب .

" شرح النووي " ( 16 / 103 ) – وانظر تتمة شرح الحديث في جواب السؤال رقم : ( 75408 ) - .

لكن لا يعني هذا أن تقف مع والدتك إذا كان الخطأ والتقصير منها ، بل الواجب عليك حين التحكيم بينهما : أن تعدل ، وتنصف , وتقول الحق ، ولو على أمك صاحبة الحق الأعظم عليك ، كما قال تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ) الأنعام/ من الآية 152 ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) النساء/ من الآية 135 .

فالذي عليك فعله : أن تبحث عن أسباب الخلاف بين والديك , وأن تحاول الإصلاح ما استطعت إلى ذلك سبيلاً , بالرفق ، واللين ، والكلمة الطيبة , وتطييب خاطر المظلوم , وترضيته بالقول ، والفعل , والنصح للمخطئ , وإرشاده بالرفق , والدعاء له بالهداية .

والله نسأله أن يوفِّق بين والديك ، ويؤلف بينهم , وأن يعينك على برِّهما , والقيام بحقهما .

على أننا ننبهك إلى أن دورك الحقيقي هو دو المصلح ، الذي يكتم السوء والخطأ ، ويستر العورة ، ويسعى في استصلاح النفوس ، وتطييب القلوب ، وليس دورك الحكم .

وثمة فوائد زوائد على ما قلناه هنا تجدها في جواب السؤال رقم : ( 125523 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب