الحمد لله.
من صلى في ثوب ساتر من غير سراويل تصح صلاته، وقد كان العرب في عصر النبوة يكتفون بالإزار لأسفل الجسم، وكان هذا من لباس النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القطان الفاسي رحمه الله تعالى:
" والاتفاق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له إزار لأنصاف ساقيه " انتهى. "الاقناع" (1 / 123).
وهو لباس الحجاج والمعتمرين، فلا يلبسون ثوبا مخيطا لا سروالا ولا تبانا وإنما هو مجرد رداء وإزار.
روى البخاري (1542)، ومسلم (1177) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، أَوْ وَرْسٌ .
لكن على من يصلي بدون سراويل أن يتنبه لأسفل فخذيه؛ لأن الواجب على الرجل ستر عورته، وهي للرجل ما بين السرة والركبة عند جمهور أهل العلم.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
" ستر العورة عن النظر بما لا يصف البشرة واجب...
والكلام في حد العورة، والصالح في المذهب، أنها من الرجل ما بين السرة والركبة. نص عليه أحمد في رواية جماعة، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء... " انتهى. "المغني" (2 / 283 – 284).
فهو قول جمهور أهل العلم، وهو الأحوط.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء":
" ذهب جمهور الفقهاء إلى أن فخذ الرجل عورة، واستدلوا على ذلك بأحاديث لا يخلو كل منها عن مقال في سنده من عدم اتصاله، أو ضعف في بعض الرواة، لكنها يشد بعضها بعضا فينهض مجموعها للاحتجاج به على المطلوب، ومن تلك الأحاديث ما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلا تَنْظُرِ الَى فَخِذِ حَيٍّ وَلا مَيِّتٍ )، وما رواه أحمد، والبخاري في "تاريخه" من حديث محمد بن جحش قال: ( مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى مَعْمَر بن عبد الله وَفَخِذَاهُ مَكْشُوفَتَانِ، فَقَالَ: يَا مَعْمَرُ، غَطِّ فَخِذَيْكَ، فَإِنَّ الْفَخِذَيْنِ عَوْرَةٌ )، ومنها ما رواه مالك في "الموطأ" وأحمد، وأبو داود، والترمذي من حديث جرهد الأسلمي قال: ( مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ وَقَدِ انْكَشَفَتْ فَخِذِي، قَالَ: " غَطِّ فَإِنَّ الْفَخْذَ عَوْرَةٌ )، حسنه الترمذي.
وذهب جماعة إلى أن فخذ الرجل ليست عورة، واستدلوا بما رواه أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِهِ ) رواه أحمد، والبخاري، وقال: حديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط.
وقول الجمهور أحوط لما ذكره البخاري ولأن الأحاديث الأولى نص في الموضوع وحديث أنس رضي الله عنه محتمل.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى. "فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى" (6 / 165 – 167).
وطالع لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (185113)، ورقم: (34976).
وستر العورة شرط لصحة الصلاة كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم: (126265).
وبناء على هذا:
إن كان ظهور أسفل الفخذ في السجود يظهر بسبب لبس ما لا يستر العورة لقصره وضيقه ونحو هذا، ففي هذه الحال لم يتحقق شرط صحة الصلاة، فلا يصح المشروط له وهو الصلاة.
وأما إن كان الثوب طويلا ساترا، لكن يظهر أسفل الفخذ بسبب كون المصلي في مكان أعلى من مكان الجالس خلفه.
فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى صحة الصلاة من صلى في مكان عال كطرف سطح يرى المار من أسفل الجدار عورته؛ لأن المصلي في هذه الحال قد لبس ما يستر عورته، ولم يؤمر بستر الجسم من أسفل الإزار والثياب .
قال النووي رحمه الله تعالى:
" قال أصحابنا ويشترط ستر العورة من أعلى ومن الجوانب ولا يشترط من أسفل الذيل والإزار حتى لو كان عليه ثوب متسع الذيل فصلى على طرف سطح ورأى عورته من ينظر إليه من أسفل صحت صلاته كذا قاله الأصحاب كلهم إلا إمام الحرمين والشاشي…" انتهى. "المجموع شرح المهذب" (3 / 171).
وقال ابن الرفعة رحمه الله تعالى:
" الواجب في السَّتْر على المشهور إنَّما هو من جهة الجوانب والعلو دون السفل، حتى لو وقف على طرف سطح، وكان من تحته يرى عورته من أسفل ثيابه، لا يحرم عليه ذلك؛ لأن المشهور أن صلاته كذلك تصح.
وقال المتولي: إنّه لا خلاف فيه.
قال القاضي الحسين: وخالف هذا لابس الخف؛ فإنه يعتبر الستر في حقه من الجوانب والسفل دون العلو؛ لأن الخنف إنما يتخذ للبس الأسفل في العادة فاعتبر ستر الأسفل، والقميص إنما يتخذ لستر الأعلى دون الأسفل؛ فاعتبر ستر الأعلى به خاصة " انتهى. "كفاية النبيه" (2 / 458).
وجاء في "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (1 / 149):
" و ( لا ) يجب ستر العورة ( من أسفل ) أي من جهة الرجلين، وإن تيسر النظر من أسفل، كمن صلى على حائط " انتهى.
والله أعلم.
تعليق