الأربعاء 27 ذو الحجة 1445 - 3 يوليو 2024
العربية

ما معنى "يرى مخ ساقها من وراء اللحم" في وصف الحور العين؟

477668

تاريخ النشر : 29-05-2024

المشاهدات : 1343

السؤال

بفضل الله تعالى أدرس الإسلام منذ خروجي للمعاش 2013، وإلى الآن لم أجد تفسيرا واضحا لعبارة (يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم)، فكيف يكون من الجمال رؤية أعضاء الجسم الداخلية؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا، مِنَ الْحُسْنِ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، لَا يَسْقَمُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، وَلَا يَبْصُقُونَ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَقُودُ  مَجَامِرِهِمُ الْأَلُوَّةُ  -قَالَ أَبُو الْيَمَانِ: يَعْنِي الْعُودَ- وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وفي رواية:  يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ  .

أخرجه البخاري (3245، 3246، 3254، 3327)، ومسلم (2834).

قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/325-326)

"قوله: (مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ) فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعَظْمِ، وَالْمُخُّ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ: مَا فِي دَاخِلِ الْعَظْمِ.

وَالْمُرَادُ بِهِ: وَصْفُهَا بِالصَّفَاءِ الْبَالِغِ، وَأَنَّ مَا فِي دَاخِلِ الْعَظْمِ لَا يَسْتَتِرُ بِالْعَظْمِ وَاللَّحْمِ وَالْجِلْدِ.

وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: ( لَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلَّةً حَتَّى يُرَى مُخُّهَا ). وَنَحْوُهُ لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَزَادَ: ( يَنْظُرُ وَجْهَهُ فِي خَدِّهَا أَصْفَى مِنَ الْمِرْآةِ )". انتهى.

وفي "منار القاري" (4/163): "فهي لصفاء جسدها، ورقة بشرتها: جسم شفاف يكشف عما بداخله، فيرى الناظرُ إليها مخَّ ساقها من وراء لحمها، كما يُرى الماء الصافي داخل الكأس الزجاجي".

ويقول القرطبي رحمه الله في "المفهم" (7/181): "(قوله: يرى مخ ساقها من وراء اللحم) يعني: من شدة صفاء لحم الساقين، فكأنه يرى مخ الساقين من وراء اللحم، كما يُرى السلكُ في جوف الدرة الصافية".

ومما يبين حُسنُ هذا الوصف في منازل الجنة أيضا، قول الشيخ السعدي رحمه الله في "تفسيره" (ص860) في وصف الجنة: ".. بناء الجنة بعضه من لبِن ذهب، وبعضه من لبن فضة، وخيامها من اللؤلؤ والمرجان، وبعض المنازل من الزمرد والجواهر الملونة بأحسن الألوان، حتى إنها من صفائها يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، وفيها من الطيب والحسن ما لا يأتي عليه وصف الواصفين" انتهى.

ثانيًا:

عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما قال: ليسَ في الجنَّةِ شيءٌ مِمَّا في الدُّنيا إلَّا الأسماءُ .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " وقد أخبر الله أن في الآخرة من أنواع النعيم ما له شبه في ‌الدنيا، كأنواع المطاعم والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك، وقد قال ابن عباس: ليس في ‌الدنيا مما في الجنة ‌إلا ‌الأسماء. فحقائق تلك أعظم من حقائق هذه بما لا يعرف قدره، وكلاهما مخلوق، والنعيم الذي لا يُعرف جنسه قد أجمله الله سبحانه وتعالى بقوله: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [سورة السجدة: 17].

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر )" . انتهى، من "منهاج السنة النبوية" (1/157). وينظر: "مجموع الفتاوى" (3/28).

وقال ابن القيم، رحمه الله: " وليس في الدنيا مما في الآخرة ‌إلا ‌الأسماء وأما المسميات فبينها من ‌التفاوت ما لا يعلمه البشر". انتهى، من "حادي الأرواح" (1/407).

وخذ مثالًا على هذا ما سماه الله من نعيم الجنة أن فيها خمرًا.

في "تفسير الطبري" (3/669) وغيره: "الخمر كل شراب خامر العقل فستره وغطى عليه، وهو من قول القائل: خمرت الإناء إذا غطيته"

وفيه" :وكان الله تعالى ذكره قد نفى عن شراب الجنة أن يكون فيه غول، فالذي هو أولى بصفته أن يقال فيه كما قال جل ثناؤه لا فيها غول فيعم بنفي كل معاني الغول عنه" انتهى.

 وفي "لسان العرب" (11/507) :"والغُول: كل شيء ذهب بالعقل".

فهذه خمر الجنة قد فقدت أعظم خصيصة لخمر الدنيا ألا وهي ذهاب العقل، ومع ذلك، فهي من نعيم الجنة الذي وعد الله به أهلها.

فمن قال: إن لم يكن في خمر الآخرة سكر فأي نعيم فيها؟

يقال له: سترى لها نعيمًا لا تتصوره نفسك، ولا يحيط به عقلك، وسيذهب بلبك؛ ففي الجنة ما يفوق كل شهوة للنفس.

وانظر وجواب السؤال رقم: (127938 ).

ثالثًا:

استشكال الجمال في وصف الحور العين، نابع من تخيل المرأة من الحور على صورة المرأة من نساء الدنيا في كل شيء؛ وهذا غلط، قد تقدم بيانه آنفا.

ومثل هذا أن يقال في نفس تنعم أهل الجنة بأنواع النعيم الذي أعده الله لأهلها، كما يقول ذلك من يقوله من ملاحدة الفلاسفة؛ فيقول قائلهم: أي معنى لنعيم الطعام، وهم فيها لا يجوعون، ولا يسقمون، ولا يموتون؟

ويقول هو وأمثاله: أيُّ معنى لتنعمهم بالنساء والحور العين، وهم لا يتناسلون، ولا يموتون، ولا يهرمون، ولا يفنَوْن؟

وهذا من أصل ضلال القوم، وطلبهم لحقائق الغيب من غير طريق الوحي، وتعديهم لمقام العقل، ومواقفه، إلى ما لا علم به من أمر الغيب.

فيقال لهم: هذا من تصوركم أحوال الآخرة، على نفس مثال أحوال الدنيا، ونقلكم لحال الدنيا، إلى هناك، مع تحكمكم بآرائكم الفاسدة، وعقولكم الكاسدة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:

" ومن هنا جهل مَن جهل من الكفار والمنافقين، من المتفلسفة الصابئة، ومن اليهود والنصارى، الذين أنكروا وجود الأكل والشرب والنكاح في الجنة، مع أن اليهود والنصارى يثبتون معاد الأبدان، وأما أولئك المتفلسفة، فإنهم منافقون لأهل المللَ مع دعواهم التحقيق، يقولون: إن الذي أخبرت به الرسل من أنواع هذا النعيم إنما هو أمثال مضروبة لتفهيم المعاد الروحاني.

وهذه من شبههم، وهو أن الأكل والشرب والنكاح: علتها الغائية وجود النسل وثبات الأبدان، وهذا مفقود في الأخرة، وهذا جهل منهم، وهم يقولون: إن هذه اللذات البدنية ليست لذَّاتٍ حقيقية، وإنما هي مجرد دفع آلام، فإن الاكل يدفع ألم الجوع، والنكاح يدفع ألم الشبق.

ولا ريب أن هذه مكابرة لما هو من أظهر الحسيات الذوقيات الموجودات، فإن إحساس الحيوان باللذة من أعظم الإحساس، وإحساسه لذة الأكل والنكاح أمر هو أظهر عند الحيوان من أكثر الأشياء. فقول المتحذلق: إن هذه ليست لذة وإنما هي دفع اَلام، كلام فاسد، فإنه لا ريب أن هنا لذة، وهنا فقد ألم، فالأمران موجودان.

وإن قال: لولا ذاك الألم لم تحصل هذه اللذة.

فإن أراد أن الموجود في الدنيا كذلك، فهذا صحيح، لكن كون هذه اللذة في الدنيا إنما توجد بعد ألم، لا يمنع وجودها في دار الحيوان التي لا ألم فيها، بلا ألم، فإن الألم سبب هذه اللذة في الدنيا، وكمال البدن والنسل هو العلة الغائية لهذه اللذة، ولكن كونها في الدنيا لا تُوجَد إلا بسبب قبلها هو الألم، وحكمةٍ بعدها هي النسل وثبات الجسد= لا يمنع أن توجد في الآخرة بدون هذا السبب، ودون هذه الحكمة.

كما أن كل موجودات الدار الآخرة، ومن يوجد فيها: بدون ما اقترن بها في الدنيا من أسبابها وغاياتها ...

ولا ريب أن الموعود به في الجنة ليست حقائقه وغاياته وأسبابه مماثلاً لما هو في الدنيا، كما قال ابن عباس: "ليس في الدنيا شيء مما في الآخرة إلا الأسماء".

وإنما أخبرنا منها، بما له في الدنيا ما يشبهه من بعض الوجوه، ثم قيل: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خَطَرَ على قلب بشر ) .

ولهذا أخبر الله بوجود هذا النعيم واللذات في الجنة، مع نفيه لما يقترن به في الدنيا من سبب وغاية، كما نفى عن الأشربة واللباس وغير ذلك آفاته، إذ هي دار نعيم لا آفة فيها بحال" انتهى، من "جامع المسائل" (6/184-186).

ومن تخيل معيار الجمال الأنثوي وما يؤثر في نفس الرجل منه على نفس طبيعة ما يؤثر فيه في الدنيا.

فساق المرأة من الحور وهيئتها وما تتكون منه لا تقيسه بما تعهده من ساق المرأة في الدنيا.

وما تعتبره نفسك جمالًا وما لا تعتبره كله مهدر في الجنة فسيريك الله جمالًا لم تعهده من قبل، وسيثير هذا الجمال في نفسك ما لم تعهده من أي جمال أثارك في الدنيا.

فهذا الوصف للحور يقرب لك الصفاء، لأن الرجل يشتهي صفاء جلد المرأة.

لكن كيفية هذا الصفاء وتركيبه ومكوناته، وما يثير النفس من تلك المكونات؛ كل ذلك غيب لا يدرك ولا يحاط بعلمه، حتى تحط القدم في الجنة فترى ما يفوق شهواتها وتقر به عينها.

وانظر جواب السؤال رقم: (60188 ).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب