الحمد لله.
أولا :
إذا كان هذا الرجل كما تقول ، فقد بين الله تعالى كيف يتعامل المسلم مع من هم على شاكلته ، وكيف يتجنب شرهم .
وذلك في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم .
ففي سورة الأعراف: خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين * وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
وفي سورة المؤمنون: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ.
وفي سورة فصلت: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ .
قال الشنقيطي رحمه الله في تفسيره لآية الأعراف:
"بين في هذه الآية الكريمة ما ينبغى أن يعامل به الجهلة من شياطين الإنس والجن . فبين أن شيطان الإنس يعامل باللين ، وأخذ العفو ، والإعراض عن جهله وإساءته . وأن شيطان الجن لا منجى منه إلا بالاستعاذة بالله منه . قال في الأول : خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين وقال في الثاني : وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، وبين هذا الذي ذكرنا في موضعين آخرين .
أحدهما : في سورة قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ قال في شيطان الإنس : ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ السيئة نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ [ المؤمنون : 96 ] وقال في الآخر : وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ [ المؤمنون : 97-98 ] .
والثاني : في حم السجدة قال في شيطان الإنس : ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم [ فصلت : 34 ] وزاد هنا أن ذلك لا يعطاه كل الناس ، بل لا يعطيه الله إلا لذي الحظ الكبير والبخت العظيم عنده فقال : وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [ فصلت : 35 ] ثم قال في شيطان الجن : وإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله إِنَّهُ هُوَ السميع العليم [ فصلت : 36 ]" انتهى، أضواء البيان .
وقال ابن كثير رحمه الله :
"فهذه الآيات الثلاث في "الأعراف" و "المؤمنون" و "حم السجدة" ، لا رابع لهن، فإنه تعالى يرشد فيهن إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف والتي هي أحسن، فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى؛ ولهذا قال: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجان، فإنه لا يكفه عنك الإحسان، وإنما يريد هلاكك ودمارك بالكلية، فإنه عدو مبين لك ولأبيك من قبلك" انتهى.
فالطريقة المثلى التي أرشدنا الله تعالى إليها ، لدفع شر من هو مثل هذا الرجل هي : أن تعامله بالحسنى ، فإذا أساء إليك فأحسن إليه ، وإذا سلم عليك وحياك فرد عليه بأحسن من تحيته ، فإن ذلك سينزع الحقد والشر من قلبه ، ويحوله إلى صديق حميم ، كما أخبر الله تعالى .
واعلم أن هذه الوصية الربانية لا يسهل العمل بها على كل أحد ، وإنما تحتاج إلى صبر ومجاهدة للنفس ، فاحرص على أن تكون من أهلها ، ولذلك قال الله تعالى: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ .
ثانيا :
وأما مقابلة إساءة هذا الرجل بالإساءة، وعدم رد السلام عليه : فإنك لن تستفيد من هذا شيئا ، إلا أنك ستزيد من عداوته وأذاه لك، وليس لك مصلحة في هذا.
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يلقى أعداءه بوجه طلق تجنبا لشرهم وأذاهم ، فإذا ما انصرفوا بَيَّن لأصحابه أن هؤلاء أعداء منافقون ، حتى لا يظنوا أنهم مؤمنون من أجل حسن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لهم .
روى البخاري (6032) عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ :
"جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عِلْمًا وَأَدَبًا ، وَلَيْسَ فِي قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ بِالْأُمُورِ الَّتِي يُسَمِّيهِمْ بِهَا وَيُضِيفُهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَكْرُوهِ غِيبَةٌ ... بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ ، وَيُفْصِحَ بِهِ ، وَيُعَرِّفَ النَّاسَ أَمْرَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْأُمَّةِ ، وَلَكِنَّهُ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَرَمِ وَأُعْطِيَهِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أظهر لَهُ البشاشة ، وَلم يجبهه بِالْمَكْرُوهِ لِتَقْتَدِي بِهِ أُمَّتُهُ فِي اتِّقَاءِ شَرِّ مَنْ هَذَا سَبِيلُهُ وَفِي مُدَارَاتِهِ لِيَسْلَمُوا مِنْ شَرِّهِ وَغَائِلَتِهِ ...
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ غِيبَةِ الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ أَوِ الْفُحْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْبِدْعَةِ مَعَ جَوَازِ مُدَارَاتِهِمُ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ" انتهى من "فتح الباري" لابن حجر .
ثالثا :
ما دام هذا الرجل يصلي ، فيمكنك أن تطلب من إمام المسجد أن يخصص خطبة لحقوق الجار في الإسلام ، وأن يكثر في خطبه من الكلام على حسن الخلق ، وإثم من يؤذي المسلمين ، ويطلع على عوراتهم ، فلعل ذلك ينفع مع ذلك الرجل .
ونسأل الله تعالى له الهداية ، ونسأله سبحانه أن يقيكم شره .
والله أعلم .
تعليق