السبت 10 ذو القعدة 1445 - 18 مايو 2024
العربية

أوصاه أن لا يعطي المال لأولاده بعد وفاته إلا في أحوال معينة، فهل يلزمه تنفيذ الوصية؟

487920

تاريخ النشر : 21-03-2024

المشاهدات : 346

السؤال

خالي كان يعيش في أمريكا، وكان يعتبرني مثل ابنه، وفي أحد زياراته لمصر أخذني للبنك، وضع مبلغ مليون ونصف في حسابي، وطلب مني أن أقسم على المصحف الشريف أنني أنفذ ما سيوصيني به، ثم قال لي: هذا المال لا أعطيه لأولاده إلا إذا رأيتهم في حاجة لهذا المال، مع العلم إن أولاد خالي يعيشون في أمريكا، ومستواهم المادي ممتاز جدا، وهذا المال موجود معي من سنة 2016، كما أوصاني أن أعطي المال لابنه الأكبر أو ابنته الكبرى، وحين أسلم المال يذهب من سيتسلم المال من أولاده لقبر خالي ومعه المال، ويقول أمام قبر خالي: إنه استلم مني المال، وحاليا توفي خالي، واتصل بي ابنه من أمريكا، وطلب مني أن أحول له المبلغ على حسابه في أمريكا، فأخبرته بوصية والده، ولكنه لا يريد المجيء لمصر، فرفضت تحويل المال له حتى ينفذ وصية أبيه، فماذا أفعل الآن؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

الوصية لشخص بالتصرف في شيء ، يشترط فيها أن تكون فيها منفعة للميت، أو للشخص الذي أراده الموصي بالوصية، لأن هذا هو المراد من الوصية، كما لو أوصى فلانا أن يتولى سداد ديونه، لأنه يعلم أنه ثقة، أو يتولى شأن أولاده الصغار، لأنه يعلم أنه مؤتمن على تربيتهم ومصالحهم .. وهكذا .

وهذا مأخوذ من الأمثلة التي ذكرها العلماء في مثل هذا.

قال الحجاوي رحمه الله في "زاد المستقنع" :

ولا تصح وصية إلا في تصرف معلوم ، يملكه الموصي، كقضاء دينه، وتفرقة ثلثه، والنظر لصغاره" انتهى .

وينظر "الشرح الممتع" (11/191) .

ويؤخذ من كلام الحجاوي السابق أن الوصية على الأولاد الكبار غير صحيحة ، لأنه لا وصية لأحد عليهم .

جاء في "الشرح الكبير" (حنبلي) (17/485):

"فأمّا مَن لا ولايةَ له عليهم، كالعُقلاءِ الراشِدِين، وغيرِ أولادِه مِن الإِخوةِ والأعْمامِ، وسائِرِ مَن عَدَا الأولادِ: فلا تصحُّ الوصيةُ عليهم؛ لأنَّه لا ولايَةَ للمُوصِي عليهم في الحياةِ، فلا يكونُ ذلك لنائِبهِ بعدَ المماتِ. ولا نَعْلَمُ في هذا كُلِّه خِلافًا" انتهى.

ثانيا :

أما الوصية التي لا منفعة فيها لأحد ، أو تؤدي إلى منع صاحب الحق من حقه ، أو يكون المراد منها التحكم ،  ولا مصلحة فيها : فهذه وصية غير شرعية لا تنفذ .

وينظر جواب السؤال رقم: (290605).

ومثل ذلك ما ورد في السؤال .

فهذا المبلغ الذي أعطاه خالك لك وقال : لا تعطه لأولاده إلا إذا احتاجوا إليها.

فهذا الشرط غير جائز، لأن المال ينتقل ورثا إلى أولاده بمجرد موته ، والكبير البالغ العاقل الراشد: لا ولاية لأحد عليه ، فبأي حقٍّ تمنع صاحب المال أن يأخذ حقه ؟

ولا يمكن انتظار أن يحتاجوا إلى المال حتى تعطيهم إياه ؛ لأن المال حقهم ، سواء احتاجوا أم لم يحتاجوا .

ثم ... أرأيت إذا لم يحتاجوا ؟ فهذا يعني أن يبقى المال معطلا عن الاستفادة به إلى أن يموتوا ، وهذا يعرض المال إلى الضياع والسرقة أو نقص قيمته، وكل هذه أضرار ومفاسد لا تقرها الشريعة.

وكذلك أيضا : اشتراطه أن يكون ذلك عند قبره بالطريقة التي ذكرتها، فهذا الشرط فيه تضييق على أولاده ، فهم غير مقيمين في بلده ، ولا يتيسر لهم الحضور عند قبره ، وما الفائدة من إشهاده وهو ميت؟

وقد اختلف العلماء : هل الميت يسمع أو لا ؟ وهل يعلم من يزوره أو لا ؟ وهل يعلم حال أهله أولا؟

والذي دلت عليه الأدلة أن له حالات يسمع فيها، ولكن لم تدل الأدلة أنه يسمع كل شيء، وكل وقت .

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّةَ رحمه الله بَعدَ ذِكرِه بعض النصوص الدالة على سماع الموتى : "هَذِه النُّصوصُ وأمثالُها تُبَينُ أنَّ المَيتَ يَسمَعُ في الجُملةِ كَلامَ الحَيِّ، ولا يَجِبُ أن يَكونَ السَّمعُ لَه دائِمًا، بَل قَد يَسمَعُ في حالٍ دونَ حالٍ، كَما قَد يَعرِضُ لِلحَيِّ؛ فإنَّه يَسمَعُ أحيانًا خِطابَ مَن يُخاطِبه، وقَد لا يَسمَعُ لِعارِضٍ يَعرِضُ لَه" انتهى .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

هل الميت يرى أهله عند زيارتهم له في المقبرة؟

فكان مما أجاب :

" جاء في بعض الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد يزور أخًا له كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام). هكذا روى ابن عبد البر وابن أبي الدنيا بإسناد جيد عن النبي صلى الله عليه وسلم .

فالحاصل: أنه سواء عرفك أو ما عرفك ، سواء عرف الزائر أو ما عرف الزائر ، المهم أنه يزوره ويدعو له، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (زوروا القبور ، فإنها تذكركم الآخرة)؛ فالمهم أنها تنفع الحي، وتعينه على ذكر الآخرة وذكر الموت حتى يستعد للقاء الله، وتنفع الميت من جهة أن الزائر يدعو له ويترحم عليه، ففي الزيارة للقبور مصالح للحي والميت جميعًا. يزورهم ويسلم عليهم ويدعو لهم ثم ينصرف...

فتدعو للأموات، وتسأل الله لهم المغفرة والعافية، وهذا هو المشروع، ويكفي هذا للمؤمن أن يفعل ما شرعه الله وأن يقف عند الحد الشرعي" انتهى .

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (128322)، ورقم: (763).

ولم يرد أكثر من الدعاء للميت عند زيارة قبره ، أما استشهاده على ما يحصل في الدنيا فلا أصل له.

وبناء على هذا ؛ يكون اشتراطه تسليم المال عند قبره غير مفيد ؛ بل لا معنى له أصلا!! مع ما فيه من مشقة على أولاده .

فالذي ننصحك به أن تعطي المال لابنه الكبير أو ابنته الكبيرة كما أوصاك، وبهذا تبرأ ذمتك، وتكون قد أديت الأمانة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب