الحمد لله.
أولاً :
في السؤال خطأ في الحديث والآية ولا بد من التنبيه عليهما قبل الإجابة :
أما الحديث : فليس فيه ذِكر عائشة – رضي الله عنها - ، ثم هو غير صحيح .
عن أم سلمة أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة قالت : فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه - وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احتجبا منه ، فقلت يا رسول الله : أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟ . رواه الترمذي ( 2778 ) وأبو داود ( 4112 ) .
والحديث : فيه نبهان مولى أم سلمة وهو مجهول ، وقد ضعفه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 1806 ) .
وأما الآية المذكورة في السؤال فهي من مجموع آيتين :
الأولى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الأحزاب/59 .
والثانية : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) النور/30 ، 31 .
ثانياً :
وأما نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي عنها ، فقد سبق في إجابة السؤال : (49038) أنه جائز بشرط ألا يكون بشهوة ولا يخشى منه الفتنة .
ثالثاً :
لا يعني أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة جواز إظهار الرجل صدره أمام الرجال فضلاً عن إظهاره أمام النساء ، فإذا لم يكن الصدر من العورة فكشفه من خوارم المروءة ، ومن فِعْلِ الفسَّاق .
ومما ينبغي أن يُعلم أن الشيء المباح إذا كان يترتب على فعله مفسدة فإنه يمنع من أجل تلك المفسدة . فإذا كان كشف الرجال صدره سيكون سبباً للفتنة أو يفتح باباً من أبواب الشر ، فإنه يمنع من أجل ذلك .
وقد شُرع اللباس لحكم عديدة منها : موافقة الفطرة ، والزينة ، والوقاية من الحر والبرد ، وستر العورة عن النظر إليها .
ولما امتن الله على عباده بخلقه اللباس الذي يواري السوءات نبَّه على لباس آخر أعظم وهو لباس التقوى .
قال تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ . يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ... ) الأعراف/26 ، 27 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
ثم امتن عليهم بما يسر لهم من اللباس الضروري ، واللباس الذي المقصود منه الجمال ، وهكذا سائر الأشياء ، كالطعام والشراب والمراكب ، والمناكح ونحوها ، قد يسر اللّه للعباد ضروريها ، ومكمل ذلك ، و[ بين لهم ] أن هذا ليس مقصودا بالذات ، وإنما أنزله اللّه ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته ، ولهذا قال : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ) من اللباس الحسي ، فإن لباس التقوى يستمر مع العبد ، ولا يبلى ولا يبيد ، وهو جمال القلب والروح .
وأما اللباس الظاهري : فغايته أن يستر العورة الظاهرة ، في وقت من الأوقات ، أو يكون جمالا للإنسان ، وليس وراء ذلك منه نفع .
وأيضاً فبتقدير عدم هذا اللباس تنكشف عورته الظاهرة ، التي لا يضره كشفها مع الضرورة ، وأما بتقدير عدم لباس التقوى فإنها تنكشف عورته الباطنة ، وينال الخزي والفضيحة .
وقوله : ( ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) أي : ذلك المذكور لكم من اللباس مما تذكرون به ما ينفعكم ويضركم وتستعينون باللباس الظاهر على الباطن . " تفسير السعدي " ( ص 248 ) .
والله أعلم .
تعليق