الحمد لله.
بداية نهنئك على حرصك على القيام بواجب النصح لإخوانك المسلمين، والقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من أوجب الواجبات التي تغافل عنها كثير من الناس، وهي الميزة والمزية التي أثنى الله بها على عباده، وجعلها شعارا للخيرية. قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110].
قال ابن كثير رحمه الله: "والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس؛ ولهذا قال: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ... وقام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ فقال: "خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم" انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/ 93).
وعن أَبي سَعِيدٍ الخدري، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49).
قال النووي رحمه الله تعالى: " أما قوله صلى الله عليه وسلم : (فليغيره) فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة ، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين" انتهى من "شرح صحيح مسلم (2/22)..
أما بالنسبة لعدم تمكنك من إدراك الشخص المراد نصحه وتوجيهه، فليس عليك إثم، وذلك أن هذا لم يحصل تقصيرا، وإنما لعارض منعك من إدراك الشخص المعني.
ولا شك أن الواجبات منوطة بالاستطاعة والقدرة، ومن أراد فعل خير ثم حُبس عنه، فليس عليه في ذلك شي. فمن القواعد الشرعية المقررة أنه (لا واجب مع العجز).
قال الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ البقرة/286.
وفي صحيح مسلم: أن الله -تعالى- قال: (قد فعلت) رواه مسلم (126).
فجرت سنته سبحانه أن لا يكلف النفوس فوق ما تطيق.
قال الشاطبي رحمه الله:" ثبت في الأصول أن شرط التكليف، أو سببه القدرة على المكلف به، فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعاً" انتهى من "الموافقات" (2/171).
كما أنه يُرجى لك الأجر بنيتك، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ المَدِينَةِ، فَقَالَ: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ) رواه البخاري (4423).
والله أعلم.
تعليق