الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل تعمد التفكير بما يثير الشهوة حتى الإنزال يفسد الصوم عند الحنابلة؟

505083

تاريخ النشر : 27-04-2024

المشاهدات : 1191

السؤال

أنا أرسلت سؤال بنص (ما حكم من أنزل في نهار رمضان باستدامة الفكر متعمدا الإنزال؟) وأجبتم بأنه تم الإجابة عليه سابقا وأن صيامه صحيح لأنه من حديث النفس المعفو عنه وبأن الحنابلة قالوا بأنه لا يمكن التحرز منه.
هذا الكلام ينطبق فيمن اندفعت عليه الخواطر وغلبته فأنزل فلا إشكال عندي فيه
وسؤالي عن الوجه الثاني وهو تعمد أو تكلف الفكر حتى ينزل فإنه محرم ليس من المعفو عنه ويمكن التحرز منه وذكرتم في إحدى الأجوبة أنه “إن تعمد التفكر والاسترسال فيه بقصد الإنزال فلا فرق بينه وبين من تعمد النظر بقصد الإنزال” ففي قول الحنفية والشافعية واضح عندي أن صيامه صحيح لأنهم يرون صحة صيام من أنزل بالنظر
ولكن سؤالي عن المذهب الحنبلي في قولهم بفساد صيام من كرر النظر فأنزل
هل هناك فرق بين الوجهين عند الحنابلة أم أن الإنزال بالفكر مطلقا متعمدا متكلفا أو غير متعمد فهو صحيح هذا الذي أردت أن أصل إليه وهو تحرير الإنزال بالفكر عند الحنابلة جزاكم الله عنا خير الجزاء.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ذهب جمهور الحنابلة إلى عدم فساد الصوم بالتفكير سواء كان عارضاً يخطر على البال، أو متعمَّدًا من الشخص، ومسترسلا معه، وحجتهم في ذلك أنّ التفكير معفو عنه.

وذهب بعضهم إلى فساد الصوم بالتفكير إذا استرسل معه فأنزل، وأما إذا خطر له ولم يسترسل معه فلا يفسد صومه.

قال ابن قدامة رحمه الله: “فإن ‌فكر ‌فأنزل، لم يفسد صومه.

وحُكي عن أبي حفص البرمكي، أنه يفسد. واختاره ابن عقيل؛ لأن الفكرة تُسْتَحْضَر، فتدخل تحت الاختيار، بدليل تأثيم صاحبها في مساكنتها في بدعة وكفر، ومدح الله سبحانه الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التفكر في ذات الله، وأمر بالتفكر في آلائه = ولو كانت غير مقدور عليها، لم يتعلق ذلك بها، كالاحتلام.

فأما إن خطر بقلبه صورةُ الفعل، ‌فأنزل، لم يفسد صومه؛ لأن الخاطر لا يمكن دفعه.

ولنا،-أي: حجة جمهور الحنابلة-: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عفى لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل، أو تتكلم).

ولأنه لا نص في الفطر به، ولا إجماع.

ولا يمكن قياسه على المباشرة، ولا تكرار النظر، لأنه دونهما في استدعاء الشهوة، وإفضائه إلى الإنزال.

ويخالفهما في التحريم إذا تعلق ذلك بأجنبية، أو الكراهة إن كان في زوجة، فيبقى على الأصل” انتهى من “المغني” (4/ 364).

وقال المرداوي رحمه الله: «قوله: أو فكر فأنزل؛ لم يفسد صومه.

وكذا لو فكر، فأمذى.

وهو الصحيح من المذهب فيهما، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وعليه أكثر الأصحاب.

وقال في : وهو أشهر. قال الزركشي: هذا أصح الوجهين.

وقال أبو حفص البرمكي، وابن عقيل: يفطر بالإنزال والمذي، إذا حصل بفكره.

وقيل: يفطر بهما إن استدعاهما، وإلا فلا”. انتهى، من “الإنصاف” (7/430).

ومما سبق من النقول، يُعْلم أن التفريق بين تعمد الفكرة واستدعاءها، وبين غلبة الفكرة، فيفطر بالأول دون الثاني: ليس هو المعتمد من مذهب الحنابلة؛ بل الصحيح من المذهب أنهما سواء، فلا يفطر بأي منهما.

ومع أنه “تسبب” في استدعاء الفكرة، حتى أنزل، إلا أنهم يقولون: إن جعل ذلك “سببا” في الفطر ليس عليه دليل ظاهر.

قال ابن النجار، رحمه الله: ” (أو فكَّر فأنزل)؛ يعني: أنه لا يفسد صومُه بذلك، في الأصح؛ لأنه إنزالٌ بغير مباشرة، ولا نظر؛ فأشبه الاحتلامَ، والفكرةَ الغالبة.

وأما كون ذلك بسبب من جهته: فمُسَلّم؛ لكن جعله سببا في الفطر ليس فيه نص، ولا إجماع، وهو دون المباشرة، والنظر”. انتهى، من “معونة أولي النهى” (3/396).

وقال الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: ” قوله: أو ‌فكر ‌فأنزل: أي: فكر في الجماع، فأنزل سواء كان ذا زوجة ففكر في جماع زوجته، أو لم يكن ذا زوجة ففكر في الجماع مطلقاً، فأنزل فإنه لا يفسد صومه بذلك.

ودليله: قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم؛ وهذا لم يعمل، ولم يتكلم إنما حدث نفسه وفكر فأنزل.

وعُلم من كلامه ‌فكر ‌فأنزل: أنه لو حصل منه عمل فإنه يفطر بأن تدلك بالأرض حتى أنزل، أو حرك ذكره حتى أنزل، أو قبل زوجته حتى أنزل، أو ما أشبه ذلك فإنه يفطر”. انتهى، من “الشرح الممتع” (6/391).

ثانيا:

عدم الفطر بالفكرة لا يعني أن يدع المرء نفسه للخواطر الرديئه، ويشغل قلبه بالفكر في مثل هذه السفاسف؛ بل المشروع في حقه أن يشغل قلبه وفكره ونظره بما فيه منفعة وخير له في دينه ودنياه.

جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة”: ” إذا عرضت للإنسان خطرة ففكر في الجماع عفوا فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى؛ لما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ، وفي رواية: ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم .

لكن على من فكر فأنزل من تلذذه بالفكرة: أن يغتسل؛ لأن حكم الجنابة قد تعلق به والحالة هذه.

أما إذا كان يعمد إلى هذا التفكير، ويستجلبه بين الحين والآخر: فهذا لا يجوز، ولا يليق بخلق المسلم، وينافي كمال المروءة، وعلى المسلم أن يكف عنه ويشتغل بما يصرفه عن إثارة شهوته بما ينفعه في دينه ودنياه، على أن تعمد الإثارة بغير الطريق المشروع مضر بالصحة في البدن والعقل، ويخشى أن يجر إلى ما لا تحمد عقباه.

ويزداد الأمر قبحا في حق من عمد إلى هذا الأمر وقد أغناه الله بزوجة، ومتى ما أنس الزوج بهذا الخلق المشين وجعله مسرحا لفكره فإن استقامة الحال والسكن والرحمة التي جعلها الله تعالى بين الزوجين في خطر.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو … عضو … عضو … عضو … الرئيس:

بكر أبو زيد … عبد العزيز آل الشيخ … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد العزيز بن عبد الله بن باز”. انتهى، من “فتاوى اللجنة الدائمة” (22/66).

والحاصل:

أن المشهور من مذهب الحنابلة: أن من فكر، فأنزل، فصومه صحيح، سواء غلبته الفكرة، أو استدعاها عمدا.

غير أن ذلك لا يعني أن يسترسل المرء في هذه الخواطر، بل ينبغي أن يشغل نفسه بما ينفعه، وما له فيه خير، في الدنيا والآخرة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب