الحمد لله.
روى البخاري (5109)، ومسلم (1408) عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا .
ورواه أبو داود (2065)، والترمذي (1126) عن عَامِر الشعبي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، ولا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، وَلَا تُنكحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى .
وقال الترمذي عقبه:
" حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافًا؛ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، فَإِنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوِ الْعَمَّةَ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا فَنِكَاحُ الْأُخْرَى مِنْهُمَا مَفْسُوخٌ، وَبِهِ يَقُولُ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ " انتهى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( وَلَا تُنكحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى ):
هذه الجملة توكيد لما سبق، وبيان أنه كما يحرم الجمع بينهما ابتداء، لا يصح أيضا الجمع بينهما على سبيل الترتيب، سواء كانت المتقدمة الصغرى أو الكبرى.
وهذا الذي فهمه ابن حبّان رحمه الله تعالى، فقد عقد في صحيحه بابا كما في "الإحسان" (9 / 427)، قال فيه:
" ذِكْرُ الزَّجْرِ عَنْ تَزْوِيجِ الْعَمَّةِ عَلَى ابْنَةَ أَخِيهَا، وَالْخَالَةِ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا ".
ثم عقد بعده في (9/427) بابا، قال فيه:
" ذِكْرُ الزَّجْرِ عَنْ أَنْ تُنْكَحَ الصُّغْرَى بِمَا ذَكَرْنَا، عَلَى الْكُبْرَى مِنْهُنَّ، أَوِ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى مِنْهُنَّ ".
وساق فيه حديث الشعبي السابق عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال القرطبي رحمه الله تعالى:
" وقد روى الترمذي حديث أبي هريرة هذا، وقال فيه: ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا ... وَلَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى، وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى ). وقال: حديث حسن صحيح.
وهو مَسَاق حسنٌ بيِّنٌ، غير أن فيه واوا اقتضت إشكالا، وهي التي في قوله: (ولا) وذلك: أنّه قد ذكر العمّة وهي الكبرى، وابنة أخيها وهي الصغرى، والخالة وهي الكبرى، وابنة أخيها وهي الصغرى، ثم أتى بالنهي عن إدخال إحداهنّ على الأخرى، طردا وعكسا.
ويرتفع الإشكال بأن تقدّر الواو زائدة، ويكون الكلام الذي بعدها مؤكّدا لما قبلها، ومؤيدا له " انتهى. "المفهم" (4 / 103).
وقال النووي رحمه الله تعالى:
" وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا ): ظاهر في أنه لا فرق بين أن ينكح البنتين معا، أو تقدم هذه أو هذه، فالجمع بينهما حرام كيف كان.
وقد جاء في رواية أبي داود وغيره: ( لَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى، وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى ) لكن إن عقد عليهما معا بعقد واحد: فنكاحهما باطل، وإن عقد على إحداهما ثم الأخرى، فنكاح الأولى صحيح، ونكاح الثانية باطل، والله أعلم " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (9 / 192).
وهذا الحديث لا يدل أصلا على أن البنت الصغرى لا تنكح قبل أختها الكبرى، ولا علاقة له بهذ الأمر.
وليس في الشرع شيء من المنع من ذلك ولا كراهته؛ بل يجوز للرجل أن يزوج ابنته الصغرى قبل الكبرى.
ثم ينبغي على ولي الأمر أن ينظر إلى الأصلح لمَوْلياته من ذلك الأمر، ومن أمر النكاح كله. وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم (170375 ).
والخلاصة:
جملة: ( وَلَا تُنكحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى )، هي توكيد للنهي عن أن يجمع الرجل في النكاح بين المرأة وعمتها أو بين المرأة و خالتها.
والكبرى هنا إما في القدر والرتبة، او من باب أن الغالب أن العمة والخالة أكبر سنا.
قال ابن الملك رحمه الله تعالى:
" المراد من الصغرى والكبرى هما في المرتبة؛ فالعمة والخالة كبريان، وبنت الأخ وبنت الأخت صغريان فيها؛ لأنهما أعلى مرتبةً منهما، وأكبر سنا غالبا، وهذا كالبيان والتأكيد لما قبلهما؛ يعني: لا يجوز الجمع بينهما " انتهى. "شرح المصابيح" (3 / 573).
والله أعلم.
تعليق