الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ركع مع الإمام قبل أن يتم الفاتحة، فهل تصح صلاته؟

519554

تاريخ النشر : 18-08-2024

المشاهدات : 1545

السؤال

كنت أصلي مأموماً، وعندما ركع الإمام أردت أن أكمل الفاتحة، فسهوت، وركعت معه، ولكن أكملت الفاتحة وأنا راكع، ثم قلت "الله أكبر" ثم "سبحان ربي العظيم"، أعلم أن الفعل خطأ، ولكن هل عليّ إعادة الصلاة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الفاتحة ركن في الصلاة على الإمام والمأموم والمنفرد في كل ركعة، على الراجح من أقوال الفقهاء؛  لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ رواه مسلم (395) من حديث أبي هريرة.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (10995) و(26746).

ويستثنى من ذلك المسبوق إذا دخل والإمام راكع.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هذا الذي ذَكَرْناه ـ وهو أن قراءة الفاتحة رُكنٌ في حَقِّ كلِّ مصلٍّ: الإِمام، والمأموم، والمنفرد. ولا يستثنى منها إلاَّ مسألة واحدة، وهي المسبوق إذا أدرك إمامه راكعاً، أو قائماً ولم يتمكَّن من قراءة الفاتحة ـ هذا هو الذي دَلَّت عليه الأدلةُ الشرعية.

فإذا قال قائل: ما الدليل على استثناء هذه الصُّورة؟

فالجواب: الدليل على ذلك حديث أبي بَكْرة الثَّابت في صحيح البخاري حيث أدركَ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم وهو راكعٌ، فأسرعَ وركعَ قبل أن يَصِلَ إلى الصَّفِّ، ثم دخلَ في الصَّفِّ، فلما انصرفَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم مِن الصَّلاةِ سأل مَنِ الفاعل؟ فقال أبو بَكْرة: أنا، فقال: زادكَ اللهُ حرصاً ولا تَعُدْ، ولم يأمره بقضاء الرَّكعة التي أدركَ ركوعها، دون قراءتها، ولو كان لم يدركها لكانت قد فاتته، ولأمره النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بقضائها، كما أمَرَ المسيءَ في صلاتِهِ أن يعيدَها، فلما لم يأمره بقضائها عُلِمَ أنه قد أدرك الركعة، وسقطت عنه قراءة الفاتحة، فهذا دليل من النصِّ.

والمعنى يقتضي ذلك: لأن هذا المأموم لم يدرك القيام الذي هو محلُّ القراءة، فإذا سقط القيامُ سَقَطَ الذِّكْرُ الواجبُ فيه وهو القراءة" انتهى من "الشرح الممتع" (3/ 298).

فإذا كنت دخلت مع الإمام متأخرا ولم يمكنك قراءة الفاتحة قبل ركوع الإمام ، فإنها تسقط عنك في هذه الحالة ، فتكون صلاتك صحيحة ولا شيء عليك.

أما إذا كنت أدركت الصلاة من أولها مع الإمام، وكان يمكنك أن تقرأ الفاتحة ولكنك تركتها ناسيًا: فقد اختلف العلماء في سقوط الفاتحة عن المأموم إذا تركها ناسيا .

فعلى القول بأنها ركن ، فلا تسقط بالنسيان ، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله ، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .

انظر "المجموع" للنووي (3/332) . وينظر جواب السؤال رقم: (13498 ).

وذهب بعض العلماء إلى سقوط الفاتحة عن المأموم إذا تركها ناسيا، وقد اختار هذا القول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .

فقد سئل: "إذا نسي المأموم قراءة الفاتحة ما حكمه؟

فأجاب: ذكر النووي رحمه الله: أن في أصل المسألة للعلماء قولين:

أحدهما: أن حكم من نسي الفاتحة حكم من نسي غيرها من الأركان إن ذكر في الركوع أو ما بعده قبل أن يقوم إلى الثانية لزمه أن يرجع فيأتي بالفاتحة وما بعدها، وإن ذكر بعد قيامه للثانية لغت التي لم يقرأ فيها الفاتحة وقامت الثانية مقامها. وإن لم يذكر إلا بعد السلام والفصل قريب عاد إلى الصلاة وأتى بركعة عوض الركعة التي ترك الفاتحة منها، وسجد للسهو إن كان مسبوقًا، وإن لم يكن مسبوقا فلا سجود عليه للسهو، بل يتحمله عنه الإمام، فإن طال الفصل قبل أن يذكر لزمه استئناف الصلاة، وذكر النووي أن هذا القول هو الجديد عن الشافعي، وأنه الأصح باتفاق الأصحاب، إلا أنه جزم بأنه يسجد للسهو، ولم يفصل، والصواب التفصيل كما تقدم.

والقول الثاني: أن من ترك قراءة الفاتحة ناسيًا حتى ركع أو سلم: سقطت عنه القراءة وتمت صلاته، حكاه النووي عن جماعة من الشافعية.

وهذا القول أرجح عندي في حق المأموم خاصة.

والقول الأول أرجح في حق الإمام والمنفرد.

ووجه ذلك أن المأموم مأمور بمتابعة إمامه، والاقتداء به في الركوع وغيره من أفعال الصلاة، فإذا ركع إمامه لزمه أن يتابعه في الركوع، وإن كان قد نسي قراءة الفاتحة لم يجز له أن يقف ليقرأها وإمامه راكع؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (وإذا ركع فاركعوا)، والفاء للترتيب باتصال، وظاهر الحديث يعم من ترك الفاتحة ناسيًا وغيره، وإنما أوجبنا على المأموم قراءة الفاتحة؛ لعموم النصوص الدالة على وجوبها، فإذا نسيها حتى ركع إمامه سقطت عنه، لعذر النسيان ووجوب المتابعة.

والجاهل وجوب قراءة الفاتحة على المأموم حكمه حكم الناسي، فيما يظهر، لي سواء كان مقلدًا لمن لم ير وجوبها، لعدم ظهور الحجة عنده على ذلك، أو مجتهدًا لم ير وجوبها؛ لأن كلا منهما معذور: إما بعذر الجهل، أو بعذر النسيان، فحالهما تشبه حال من أدرك الإمام راكعًا، وقد تقدم أنه تجزئه الركعة وتسقط عنه القراءة، بل الجاهل والناسي هنا أولى بأن تجزئهما الركعة؛ لأن من أدرك الإمام راكعًا قد فاتته القراءة والقيام لها، والجاهل والناسي هنا لم يفتهما إلا القراءة فقط، والله أعلم.

وأما سجود السهو في حق الناسي هنا: فعلى التفصيل السابق في القول الأول، وأما الجاهل فلا سجود عليه مطلقًا" انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (29/ 282).

فعلى هذا القول صلاتك صحيحة، ولا شيء عليك، وإن أردت الاحتياط فينبغي أن تعيد الصلاة، فهذا هو الأولى والأحسن .

ثانيا:

إكمالك الفاتحة في الركوع، ثم تكبيرك وتسبيحك، لا يبطل صلاتك، ولكن لا يعتد بهذه القراءة؛ فإن القراءة موضعها القيام.

وتصح صلاتك، على القول بأن الناسي لا تلزمه الفاتحة.

ولا تضرك القراءة والتكبير في الركوع؛ لأنها أذكار مشروعة في الصلاة، فمن أتى بها في غير محلها، لم تبطل صلاته، لكن يستحب له سجود السهو، وحيث كنت مأموما من أول الصلاة، فلا سجود عليك.

قال ابن قدامة رحمه الله: "ما لا يبطل عمده الصلاة، وهو نوعان:

أحدهما، ‌أن ‌يأتي ‌بذكر ‌مشروع ‌في ‌الصلاة ‌في ‌غير ‌محله، كالقراءة في الركوع والسجود، والتشهد في القيام، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأول، وقراءة السورة في الأخريين من الرباعية أو الأخيرة من المغرب، وما أشبه ذلك، إذا فعله سهوا، فهل يشرع له سجود السهو؟

على روايتين: إحداهما، لا يشرع له سجود؛ لأن الصلاة لا تبطل بعمده، فلم يشرع السجود لسهوه، كترك سنن الأفعال.

والثانية، يشرع له السجود؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس". رواه مسلم.

فإذا قلنا: يشرع له السجود؛ فذلك مستحب غير واجب، لأنه جبر لغير واجب، فلم يكن واجبا، كجبر سائر السنن" انتهى من "المغني" (2/ 426).

وقال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/ 399): " (وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه غير سلام ولو) كان إتيانه بالقول المشروع غير السلام (عمدا، كالقراءة في السجود و) في (القعود، و) ك (التشهد في القيام، وقراءة السورة في) الركعتين (الأخريين ونحوه) أي نحو ما ذكر، كالقراءة في الركوع (لم تبطل) الصلاة به، نص عليه؛ لأنه مشروع في الصلاة في الجملة (ويشرع) أي يسن (السجود لسهوه) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين " انتهى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب