الحمد لله.
أولا:
القدر: عِلمُ الله السابقُ، وكتابة ذلك، وخلقُه وَفق إرادته ومشيئته، ولا أحد يستطيع أن يُغير القدر، لكنه يتصرف وفق القدر.
فغلام الخضر لو عاش لأرهق أبويه كفرا، فقدّر الله تعالى، وكتب: أن الخضر يقتله، فينجو أبواه.
فما فعله الخضر مقدّر معلوم لله، مكتوب عنده، كما قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحديد/22
وروى مسلم (2653) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ .
والخضر لم يتصرف من تلقاء نفسه، بل فعل ذلك عن وحي الله إليه، وأمره به، كما قال تعالى عنه: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي الكهف/82
قال البغوي رحمه الله في تفسيره (5/ 197): “{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أَيْ بِاخْتِيَارِي وَرَأْيِي، بَلْ فَعَلْتُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَإِلْهَامِهِ” انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (5/ 187): “وقوله: {رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي: هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة، إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة، ووالدي الغلام، وولدي الرجل الصالح، {وما فعلته عن أمري} لكني أُمِرتُ به، ووُقِّفْتُ عليه.
وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر، عليه السلام، مع ما تقدم من قوله: {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما}” انتهى.
وفي قصة قتل الغلام إشارة إلى أن قضاء الله للعبد خير ورحمة، وإن كان ظاهره مكروها، فهو كقوله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ البقرة/216.
ولهذا قال قتادة رحمه الله: “قد فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره، خير له من قضائه فيما يحب”.
وصح في الحديث: “لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له”. وقال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} [البقرة:216]” انتهى من “تفسير ابن كثير” (5/ 185).
وقال ابن مسعود: “إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة، حتى ييسر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإنه إن يسرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير، يقول: سبقني فلان، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عز جل”. انتهى من “جامع العلوم والحكم لابن رجب” (1/ 470).
والحاصل: أن كل شيء مقدر، وأنه لا يمكن لأحد أن يغير ما هو مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ.
ثانيا:
فيما يتعلق بتغيير القدر، فقد يحصل تغيير لما في صحف الملائكة، لكن لا تغيير لما في علم الله، ولا فيما كتبه في اللوح المحفوظ.
وهذا معنى ما جاء في حديث سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ» رواه الترمذي (2139) وحسنه الألباني. وهو عند أحمد (22386) وابن ماجه (90) من حديث ثوبان بلفظ: (لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ) وحسنه الألباني في “صحيح ابن ماجه”.
وذلك كأن يكون في صحف الملائكة أن فلانا سيمرض، فيدعو بدعاء فيعافيه الله ولا يمرض، أو يكون فيها أن عمره ستون سنة، فيصل رحمه، فيزيد عمره إلى سبعين سنة، فهذا تغيير لما في صحف الملائكة، لا في اللوح المحفوظ ولا في علم الله، فقد علم الله تعالى أنه سيفعل ذلك، فيعافى أو يزيد عمره.
ومثله ما جاء في زيادة العمر بصلة الرحم.
قال النووي رحمه الله في “شرح مسلم” (16/ 114): ” قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) يُنسأ مهموز، أي يؤخر، والأثر الأجل؛ لأنه تابع للحياة في أثرها. وبسط الرزق توسيعه وكثرته، وقيل البركة فيه.
وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)؟
وأجاب العلماء بأجوبة، الصحيح منها:
أن هذه الزيادة بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.
والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة، وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك، وهو من معنى قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت).
فبالنسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره لا زيادة، بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث” انتهى.
وانظر: جواب السؤال رقم: (43021)، ورقم: (264354).
والله أعلم.
تعليق