الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل طلب الدعاء من الميت شرك؟ وهل يعذر بالجهل؟

538051

تاريخ النشر : 06-11-2024

المشاهدات : 1453

السؤال

هل إذا ذهب شخص إلى قبر ويقول للميت: اطلب من الله أن يستجيب دعائي، أو اطلب منه أن يرزقني زوجة صالحة يعتبر شركًا أكبر؟ وهل يوجد عذر للشرك الأكبر؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

طلب الدعاء من الميت عند قبره، كما جاء في السؤال: محرم، وفيه قولان لأهل العلم:

الأول: أنه شرك أكبر؛ لأنه طلب جلب نفع، فيكون دعاء للميت، ودعاء الميت شرك.

الثاني: أنه ذريعة ووسيلة قد تجره إلى الشرك الأكبر، وليس شركا أكبر؛ لأنه لم يطلب حاجته من الميت مباشرة، وإنما أرادها من الله تعالى، فلا يستوي من يقول: يا بدوي اشفني، ومن يقول: يا بدوي سل الله أن يشفيني.

وهذا هو أظهر القولين في المسألة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” وهذه الأمور المبتدعة من الأقوال هي مراتب:

أبعدها عن الشرع: أن يسأل الميت حاجة، أو يستغيث به فيها، كما يفعله كثير من الناس بكثير من الأموات، وهو من جنس عبادة الأصنام، ولهذا تتمثل لهم الشياطين على صورة الميت أو الغائب كما كانت تتمثل لعبادة الأصنام، بل أصل عبادة الأصنام إنما كانت من القبور، كما قال ابن عباس وغيره، وقد يرى أحدهم القبر قد انشق وخرج منه الميت، فعانقه أو صافحه أو كلمه، ويكون ذلك شيطانا تمثل على صورته ليضله، وهذا يوجد كثيرا عند قبور الصالحين، وأما السجود للميت أو للقبر فهو أعظم و كذلك تقبيله.

المرتبة الثانية: أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب، أو أنه أفضل من الدعاء في المساجد والبيوت، فيقصد زيارته لذلك أو للصلاة عنده أو لأجل طلب حوائجه منه، فهذا أيضا من المنكرات المبتدعة باتفاق أئمة المسلمين وهي محرمة، وما علمت في ذلك نزاعا بين أئمة الدين.

المرتبة الثالثة: أن يسأل صاحب القبر أن يسأل الله له، وهذا بدعة باتفاق أئمة المسلمين .. ” انتهى من كتاب “الاستغاثة” (1/ 145 – 146)، وينظر ص (111،119) منه.

وقال رحمه الله تعالى في كتاب ” الرَّدِّ على الأخنائي ” ص149: “وقد حدث من بعض المتأخرين في ذلك بدع لم يستحبَّها أحد من الأئمة الأربعة، كسؤاله الاستغفار.

وزاد بعض جهَّال العامة ما هو محرَّم أو كفر بإجماع المسلمين كالسُّجود للحجرة والطَّواف بها وأمثال ذلك مما ليس هذا موضعه” انتهى.

وقال أيضا: ” وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم، وإن قُدّر أنهم يدعون للأحياء وإن وردت به آثار، فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحد من السلف؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون الله تعالى؛ بخلاف الطلب من أحدهم في حياته، فإنه لا يفضي إلى الشرك” انتهى من “مجموع الفتاوى” (1/ 330).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم:

“المؤلف رحمه الله [أي شيخ الإسلام] قال: “سواء سئل أن يسأل الله، أو سئل قضاء الحاجة “.

وبينهما فرق:

إذا سئل قضاء الحاجة فهذا شرك أكبر.

وإذا سُئل أن يسأل الله: فهذا بدعة وضلال؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله، والدعاء من عمله، فكيف تسأله ما لا يمكن، لأنك لو قلت: يا فلان ادع الله لي، فإنه لن يدعو الله لك، ومن ذلك أن تقول عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله اشفع لي، فإن هذا حرام وبدعة منكرة.

لكن لو قلت: يا رسول الله أنجني من النار كان شركاً أكبر “ انتهى .

وسئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله: ” سؤال الأموات عن قرب، فيما يقدرون عليه، وهم أحياء، فظاهر كلام ابن تيمية في “التَّوسل والوسيلة” أنَّه بدعة، وليس شركًا أكبر، بينما ظاهر إطلاقه في “اقتضاء الصراط المستقيم” أنَّه شرك أكبر، كما هو قول أئمة الدعوة، فما تحرير قول ابن تيمية في المسألة، وما صحة بناء الباحثين ذلك على مسألة سماع الأموات، وما رأي فضيلتكم فيها؟ وفي مسألة سماع الأموات؟

فأجاب: ” الحمدُ لله، وصلى الله وسلَّم على محمَّد، أما بعد:

فهذه مسألة عظيمة، والخلاف فيها مِن اختلاف التَّضاد، ولابد مِن مقدمة قبل الجواب. فأقول:

إنَّ القبورية التي هي تعظيم القبور -وهي طريقة القبوريين- تتضمَّن أنواعًا مختلفة الأحكام؛ منها ما هو شرك أكبر، ومنها ما هو بدعة ووسيلة إلى الشرك.

فمنها ما هو شرك أكبر، كدعاء الأموات، لقضاء الحاجات والاستغاثة بهم في الشَّدائد والكربات.

ومنها ما هو بدعة ووسيلة إلى الشرك؛ كالصَّلاة والذَّبح لله عند القبور، وتحرِّي الدعاء عندها؛ لأنَّها عند الداعي مظنَّة الإجابة؛ فإنَّ الشَّيطان ينتقل بهم من دعاء الله عند القبور، إلى دعاء أصحاب القبور، والصَّلاة لهم والذبح لهم.

إذا تقرَّر هذا فنقول: هذا الذي يسأل الميت الدعاء، بناءً على اعتقاده أنه يسمع ويدعو، فإذا كان الأموات لا يسمعون، كما هو ظاهر القرآن إلا ما خصَّه الدليل من السُّنَّة، كسَلام المسلِّم عليهم، وسماع قرع نعال المشيعين إذا انصرفوا، فعلى هذا يكون سائل الدعاء من الميت قد أخطأ مِن وجهين: من جهة اعتقاده أن الميت يسمع سؤاله، ومن جهة اعتقاده أن الميت يدعو في قبره إذا سُئل الدعاء.

وعليه: فما فعله هذا الجاهل من سؤال الميت الدعاء: بدعةٌ لا أصل لها في الشرع، وهو وسيلة قريبة إلى عبادة الميِّت ببعض أنواع العبادة، فيؤول أمره إلى الشرك بالله.

هذا مضمون كلام ابن تيمية الذي استنكره مَن استنكره مِن العلماء.

وإذا قُدِّر أن شيخ الإسلام أطلق اسم الشرك على فعل سائل الميت الدعاء، فلعلَّه من إطلاق اسم الشرك على ما هو وسيلة إليه؛ فإنَّ من ضوابط الشرك الأصغر عند بعض العلماء ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر، أو سمِّي شركا في بعض النصوص، ولم يبلغ حدَّ الشرك، كالحلف بغير الله، ويسير الرياء.

والذي يظهر لي وأقول به: إنَّ الأموات لا يسمعون إلا ما دلَّ الدليل على سماعهم له.

وإنَّ سؤال الميتِ الدعاءَ بدعةٌ، لا شرك أكبر.

فإذا أضاف الجاهل إلى سؤال الميتِ الدعاءَ، نوعًا من أنواع العبادة، كالصَّلاة للميت، والذبح له، فقد عبده، وصار من الذين قال الله فيهم:  وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه يونس/18.

 أمَّا مجرد سؤال الميتِ الدعاءَ: فلا يصير به السائل مشركًا، بل مبتدعا ضالًّا، وفعله حرام ووسيلة إلى الشرك، هذا، والله أعلم بالصواب، وهو الهادي إلى سبيل الرشاد

أملاه :عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك، في 11 ذي القعدة 1442 هـ” انتهى من موقع الشيخ.

وينظر: جواب السؤال رقم: (458085).

والحاصل: أن سؤال الميت الدعاء، عند قبره: مختلف فيه، والراجح أنه ليس شركا أكبر.

ثانيا:

من وقع في الشرك الأكبر، عالما، عامدا، مختارا: فهو مشرك، ولا عذر له.

1-فإن كان جاهلا، غير مفرط في معرفة الحق، فهو معذور؛ لعموم الأدلة التي دلت على عذر المخطئ والجاهل في الشريعة.

وإن كان جهله لتفريطه في معرفة الحق مع قربه منه، كما لو كان مثله لا يجهله، أو نبه للحق فتمادى، فهو غير معذور.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” الجهل نوعان:

جهل يعذر فيه الإنسان، وجهل لا يعذر فيه. فما كان ناشئا عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم; فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أو في المعاصي.

وما كان ناشئا عن خلاف ذلك، أي أنه لم يهمل، ولم يفرط، ولم يقم المقتضي للتعلم؛ بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء حرام؛ فإنه يعذر فيه.

فإن كان منتسبا إلى الإسلام; لم يضره.

وإن كان منتسبا إلى الكفر، فهو كافر في الدنيا، لكن في الآخرة: أمره إلى الله، على القول الراجح، يمتحن; فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار.

فعلى هذا من نشأ ببادية بعيدة، ليس عنده علماء، ولم يخطر بباله أن هذا الشيء حرام، أو أن هذا الشيء واجب: فهذا يعذر. وله أمثلة:

منها: رجل بلغ وهو صغير، وهو في بادية ليس عنده عالم، ولم يسمع عن العلم شيئا، ويظن أن الإنسان لا تجب عليه العبادات، إلا إذا بلغ خمس عشرة سنة، فبقي بعد بلوغه حتى تم له خمس عشرة سنة، وهو لا يصوم ولا يصلي ولا يتطهر من جنابة: فهذا لا نأمره بالقضاء؛ لأنه معذور بجهله الذي لم يفرط فيه بالتعلم، ولم يطرأ له على بال، وكذلك لو كانت أنثى أتاها الحيض وهي صغيرة، وليس عندها من تسأل، ولم يطرأ على بالها أن هذا الشيء واجب إلا إذا تم لها خمس عشرة سنة; فإنها تعذر إذا كانت لا تصوم ولا تصلي.

وأما من كان بالعكس، كالساكن في المدن يستطيع أن يسأل، لكن عنده تهاون وغفلة; فهذا لا يعذر; لأن الغالب في المدن أن هذه الأحكام لا تخفى عليه، ويوجد فيها علماء يستطيع أن يسألهم بكل سهولة; فهو مفرط، فيلزمه القضاء ولا يعذر بالجهل” انتهى من القول المفيد شرح كتاب التوحيد (1/ 173).

وينظر: جواب السؤال رقم: (111362)، ورقم: (228033) .

ومن أهل العلم من لا يعذر الجاهل إذا وقع في الشرك الأكبر، وكان يعيش في بلاد المسلمين، سواء فرط أو لم يفرط، وبهذا أفتت اللجنة الدائمة والشيخ ابن باز رحمه الله، وهو قول كثير من أهل العلم، والخلاف في هذه المسألة خلاف اجتهادي معتبر، فلا تثريب على من ترجح له أو قلد أحد القولين.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” الاختلاف في مسألة العذر بالجهل، كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافًا لفظيًا في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين، أي إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقه وانتفاء المانع، أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع” انتهى من “مجموع فتاوى ابن عثيمين” (2/ 130).

وينظر: جواب السؤال رقم: (153830).

2-وإن كان فاعل الشرك أو مجيزُه متأولا، مريدا للحق، ودخلت عليه الشبهة، فهو معذور.

وينظر: جواب السؤال رقم: (316017).

3-وإن أخطأ ولم يقصد قول الشرك، كأن يريد نداء الله فينطق خطأ باسم غيره، فهو معذور كالرجل الذي قال من شدة الفرح: “اللهم أنت عبدي وأنا ربك”.

 4-وإن أكره على قول الشرك أو فعله إكراها معتبرا، فهو معذور.

وينظر: جواب السؤال رقم: (150748).

ثالثا:

ينبغي الانشغال بدعوة من وقع في الشرك، لا بالحكم عليه، وينبغي الاحتياط في الحكم على الأعيان، ورد ذلك إلى كبار أهل العلم.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب