الحمد لله.
اعلم هدانا الله وإياك للحق ، ورزقنا اتباعه : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أوضح الحجة ، وجلى الطريق لأمته ، فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وترك لنا من الله فيها علما ، ونزل في آخر حجة حجها النبي صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " .
وسار الصحابة رضي الله عنهم على هذا النهج سيرا دقيقا جدا ، فحفظ الله عز وجل بذلك أتباع الإسلام من التفرق المذموم .
وتبعهم على ذلك التابعون رحمهم الله ، ولكن حصول بعض العوامل الداخلية والخارجية أدى إلى ظهور شيء من الاختلاف المذموم بعد القرون الثلاثة المفضلة ، فمن الأسباب الخارجية : مخالطة الأمم الأخرى من غير المسلمين : كالفرس ، والروم ، والهند ، واليونان ، والاحتكاك كذلك بالملل : كاليهودية ، والنصرانية ، والصابئة ، والمجوسية ، وأديان الهند وغيرها .
ومن الأسباب الداخلية : اتباع الأهواء ، والتعلق بالشبهات والشهوات ، والإعراض عن تعلم دين الله عز وجل وشرعه ، والجهل ، والغلو ، والتشبه بغير المسلمين ... إلخ .
وجود جميع هذه الأسباب وغيرها أدت إلى شق صفوف صغيرة عن الجادة الصحيحة التي كان عليها جمهور المسلمين ، وظهرت فرق وبدع وأقوال تخالف النهج الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعوهم ومن بعدهم ممن سلك سبيلهم .
ولكن يلحظ أن هذه الطوائف والفرق : كانت في الحقيقة صوتا نشازا عند جمهور المسلمين ، فأهلها منبوذون محاربون من أهل العلم والخلفاء ومن عامة المسلمين ، مما سبب تحجيما لتلك الأهواء عن الانتشار بين الناس ، وضعفا لها في أغلب أطوار التاريخ الإسلامي .
فبقي أكثر المسلمين وجمهورهم على الجادة السنية - في الجملة - فإن ظهرت صور للبدع بينهم سارع علماء الحق لمحاربتها وبيان زيفها ، وقد أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بحصول هذا الاختلاف ، وحذرنا منه وأمرنا بلزوم جماعة المسلمين فقال : " افترقت اليهود والنصارى ثنتين وسبيعين فرقة كلها في النار ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على ما مثل أنا عليه اليوم وأصحابي " ، وقال : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة " .
وأما بقاء المسلمين على شعورهم بالوحدة فلذلك أسباب كثيرة - مر بعضها - ، لكن أظهر الأسباب وأوضحها هو أن هذا الدين من عند الله عز وجل ، فهو محفوظ بحفظ الله له ، ولو تعرض دين لمثل ما تعرض له الإسلام من الحروب والمؤامرات والمكائد لزال منذ زمن بعيد ( كما نرى في غيره من الأديان ) ، وكل عاقل يفهم أن عقيدة تبقى أكثر من ( 1400 ) سنة على حالها الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم - في الجملة - شبرا بشبر وذراعا بذراع ، ثم هي لا تزال تتجدد في نفوس أهلها ( حماسا وتمسكا بها ) كتجدد زهر الربيع لهو أول دليل على أنه دين الله حقا ، والله الهادي على سواء السبيل .
تعليق