الحمد لله.
أما الزكاة المفروضة فهي عبادة لها وقتها المقدَّر ، وهو مرور سنة هجرية على النصاب ، فإذا تمت السنة وجب إخراج الزكاة ، ولا يجوز لمن وجب في ماله الزكاة وحل موعدها أن يتأخر عن أدائها إلا لعذر شرعي .
ولا يجوز انتظار شهر رمضان لأدائها فيه ، إلا إذا كان الانتظار يسيرا كأسبوع أو أسبوعين . وانظر جواب السؤال رقم (13981) .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وتجب الزكاة على الفور ، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخش ضرراً ، وبهذا قال الشافعي " انتهى .
" المغني " ( 2 / 289 ) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل الزكاة تفضل في رمضان مع أنها ركن من أركان الإسلام ؟
فأجاب :
" الزكاة كغيرها من أعمال الخير تكون في الزمن الفاضل أفضل ، لكن متى وجبت الزكاة وتمَّ الحوْل وجب على الإنسان أن يُخرجها ولا يؤخرها إلى رمضان ، فلو كان حوْل ماله في رجب : فإنه لا يؤخرها إلى رمضان بل يؤديها في رجب ، ولو كان يتم حولها في محرَّم فإنه يؤديها في محرم ، ولا يؤخرها إلى رمضان ، أما إذا كان حوْل الزكاة يتم في رمضان : فإنه يُخرجها في رمضان " انتهى .
" فتاوى إسلاميَّة " ( 2 / 164 ) .
ولعل قصد السائل بالزكاة : صدقة التطوع ، ولا شك أن الجود والبذل والعطاء بالمال والطعام والكسوة وغيرها : في رمضان أفضل من فعلها في غيره من الشهور ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ , فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ . رواه البخاري ( 6 ) ومسلم ( 2308 ) .
قال النووي : وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا : اِسْتِحْبَاب إِكْثَار الْجُود فِي رَمَضَان .
" شرح مسلم " ( 15 / 69 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" وكان صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس ، وأجودُ ما يكون في رمضان ، يُكثر فيه مِن الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف " انتهى .
" زاد المعاد " ( 2 / 32 ) .
وإطعام الطعام فيه أجر عظيم لفاعله ، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمنين الذين استحقوا الجنة أنهم يطعمون الطعام ، فقال تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا . وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) الإنسان/8-12 ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كانَ لَهُ مِثْلَ أَجْرِه ) رواه الترمذي ( 807 ) وابن ماجه ( 1746 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ، وذلك لما ورد من الترغيب فيه ، مع ما ينشأ عنه من عبادات كثيرة منها : التودد والتحبب إلى المُطعَمين فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ) ، كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك .
وأما تفضيل أحدهما على الآخر ؛ " فقد كان كثير من السلف يفضل إطعام الإخوان على الصدقة على المساكين .
وقد روي في هذا المعنى مرفوعاً من حديث أنس بإسناد ضعيف ، ولاسيما إن كان الإخوان لا يجدون مثل ذلك الطعام .
وروي عن علي رضي الله عنه قال : لأن أجمع أناسا من إخواني على صاع من طعام ، أحب إلي من أن أدخل سوقكم فأبتاع نسمة فأعتقها .
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال : لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل " .
شرح حديث "اختصام الملأ الأعلى " لابن رجب ، من "مجموع الرسائل" (4/41) .
والحاصل : أن كلاًّ من الصدقة بالمال وإطعام الطعام له فضل كبير ، فاحرص على الأمرين معا ، وليكن لك نصيب من كل عبادة .
والله أعلم .
تعليق