الحمد لله.
إن الله تعالى قد أمر بالرفق في كل شيء ، ففي الحديث : ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) رواه البخاري ( 5678 ) ومسلم ( 2165 ) .
وروى مسلم ( 2592 ) عن حديث جرير رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من يحرم الرفق يحرم الخير ) .
واعلم أنه من كان عنده شيء من الدواب فيجب عليه أن يحميها ويطعمها ويسقيها ، ولا يجوز له أن يعرضها للهلاك ، وفي الحديث الذي أشرت إليه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها ، لا هي أطعمتها ، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض ، أي حشراتها . رواه البخاري (2365) ومسلم (904) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ ، فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ ، فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا ، فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ ( أي : ترفرف بأجنحتها ) فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا ) رواه أبو داود ( 2675 ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود " .
والحمرة – بتشديد الميم وتخفيفها - : طائر صغير كالعصفور .
فحاصل المسألة : أن من استرعاه الله شيئاً من هذه الدواب كأن تكون في حرزه أو يربيها ويبقيها لحاجته وجب عليه رعايتها والإحسان إليها والرفق بها .
وبناء عليه : فإنه يجب عليك أن تتوب إلى الله تعالى من أمور :
أولها : معصية والديك اللذين أمرك الله ببرِّهما ، وبطاعتهما فيما لا معصية فيه .
الثاني : أن هذه القطط كانت في حرزك وقصرت في رعايتها حتى أدى ذلك إلى هلاكها .
ثالثها : أنك فجعت أمها بالتفريق بينها وبين أولادها ، ثم بموت صغارها .
ولا شك - أخي - أن شعورك بالذنب بهذه الصورة التي ذكرت يدل على حياة قلبك وصدق شعورك بالندم على ما فعلت .
لكنك أيضا ربما بالغت في ذلك حتى وصل بك الأمر إلى اليأس والقنوط ، وهذا لا شك أنه لا يجوز فالله تعالى يقول : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 ، فأين أنت عن سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء ، وعن قبول الله تعالى لعباده التائبين حتى من كبار الذنوب ؟
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم قتل عابداً فكمل به المائة ثم تاب توبة صادقة فقبل الله توبته – وهي في الصحيحين – فأين أنت منه ؟ إنه قتل مائة نفسٍ وتاب وقبل الله منه ، فلا يقعنَّ منك يأس ولا قنوط من عفو الله ورحمته ، وأقدم على العمل الصالح وتذكر دائما قوله تعالى : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) هود/114 .
والله أعلم .
تعليق