الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل تدل استقامة المبتدع على صلاح عمله وعقيدته ؟

75093

تاريخ النشر : 02-01-2006

المشاهدات : 10012

السؤال

هل يدل استقامة ومحافظة المبتدع على الطاعات والصلوات كاملةً في جماعة على صلاح عمله وعقيدته ؟ وما شأنُه عند الله ؟.

الجواب

الحمد لله.

لا شك أن الموقف الواجب هو رد وإنكار كل بدعة محدثة ، وبيان خروجها عن القصد والاستقامة ، وعدم التهاون في ذلك .

قال صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) رواه مسلم (1718) .

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (12/16) :

" قال أهل العربية : الرد هنا بمعنى المردود ، ومعناه : فهو باطل غير معتد به ، وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام ، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات ، وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به " انتهى .

ولا يجوز أن يؤثر على الموقف الشرعي من البدعة ما يظهر على فاعلها من الصلاح والاجتهاد في العبادة أو حسن الخلق ، إذ لا يلزم من ذلك صلاح عقيدته وعمله ،

أولاً : لأننا لا نعلم بماذا يختم له ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالخواتيم ) متفق عليه .

ثانياً : قد يوفق المسلم لباب من أبواب الخير ، ويحرم من أبوابٍ أُخَر ، ويدلك على ذلك أدلة كثيرة ، منها :

1- عَن سَهلٍ بنِ سعدٍ السَّاعديِّ رَضِيَ اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ التَقَى هُوَ وَالمُشرِكُونَ فَاقتَتَلُوا ، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسكَرِه ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسكَرِهِم ، وَفِي أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لا يَدَعُ لَهُم شَاذَّةً إِلا اتبعَها يَضرِبُها بِسَيفِهِ ، فَقَالُوا : مَا أَجزَأَ مِنَّا اليَومَ أَحَدٌ كَمَا أَجزَأَ فُلان .

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : أَمَا إِنَّه مِن أَهْلِ النَّارِ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ : أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا . قَالَ : فَخَرَجَ مَعَهُ ، كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ ، وَإِذَا أَسرَعَ أَسرَعَ مَعَهُ ، قَالَ : فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرحًا شَدِيدًا ، فَاستعجَلَ المَوتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرضِ وَذُبَابَهُ بَينَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيفِهِ فَقَتَلَ نَفسَهُ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَشهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ ، قَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : الرَّجُلُ الذِي ذَكَرتَ آنِفًا أَنَّه مِن أَهلِ النَّارِ فَأَعظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ ، فَقُلتُ أَنَا لَكُم بِهِ ، فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى جُرِحَ جُرحًا شَدِيدًا ، فَاستَعجَلَ المَوتَ ، فَوَضَعَ نَصلَ سَيفِهِ بِالأَرضِ وَذُبَابَه بَينَ ثَديَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيهِ فَقَتَلَ نَفسَه ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِندَ ذَلكَ : ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِن أَهلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أَهلِ النَّارِ فِيمَا يَبدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِن أَهلِ الجَنّةِ ) . رواه البخاري (2898) ومسلم (112) .

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (2/126) :

" فيه التحذير من الاغترار بالأعمال " انتهى .

2- عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيهِ رَجُلٌ استشهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَه نِعَمَه ، فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلتُ فِيكَ حَتَّى استُشهِدتُ ، قَالَ : كَذَبتَ ، وَلكِنَّكَ قَاتَلتَ لأَن يُقَالَ جَرِيء ، فَقَد قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ القُرآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَه نِعَمَه ، فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلّمتُ العِلمَ وَعَلَّمتُه وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ ، قَالَ : كَذَبتَ ، وَلكِنَّكَ تَعَلَّمتَ العِلمَ لِيُقَال عَالِمٌ ، وَقَرَأتَ القُرآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ ، فَقَد قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ حَتَّى أُلقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ ، وَأَعطَاهُ مِن أَصنَافِ المَالِ كُلِّهِ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَه نِعَمَه ، فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلتَ فِيهَا ؟ قَالَ : مَا تَرَكتُ مِن سَبِيلٍ تُحِبُّ أَن يُنفَقَ فِيهَا إِلا أَنفَقتُ فِيهَا لَكَ . قَالَ : كَذَبتَ ، وَلَكِنَّكَ فَعَلتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ ، فَقَد قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجهِهِ ثُمَّ أُلقِيَ فِي النَّارِ ) . رواه مسلم (1905)

فهذا مثال آخر يتبين فيه كيف أن صلاح الظاهر لا يلزم منه القبول عند الله تعالى .

3- وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بظهور فرقة الخوارج ، وهم من أهل البدع وأمرنا بقتالهم ، وأخبرنا أيضاً باجتهادهم في العبادة . فقال : ( يَخرُجُ فِيْ هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُم مَعَ صَلَاتِهِم ، يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لاْ يُجَاوِزُ حُلوقَهَم أَوْ حَنَاجِرَهُم ، يَمرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُروقَ السَّهمِ مِنَ الرّمِيَّةِ ) رواه البخاري (6931) ومسلم (1064) .

فوصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في العبادة حتى إن الصحابة يحقرون صلاتهم إذا ما قورنت بصلاة هؤلاء ، ومع ذلك أخبر أنهم يمرقون ، أي : يخرجون من الدين .

وقد يقع الرجل في البدعة بسبب اجتهادٍ أخطأ فيه ، ولم يتعمد ارتكاب المخالفة وفعل البدعة ، فنرجو من الله تعالى أن يغفر له ، ويعفو عنه .

قال الذهبي رحمه الله :

" إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعُلمَ تحرِّيه للحق ، واتسع علمه وظهر ذكاؤه ، وعُرفَ صلاحُه وورعه واتباعه ، يُغفَرُ له زَلَلُه ، ولا نُضلِّلُه ونطرحه وننسى محاسنَه ، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك " انتهى .

"سير أعلام النبلاء" (5/271) .

والمؤمن قد يجتمع فيه خير وشر ، فيحمد على ما معه من الخير ، ويذم على ما معه من الشر ، بعد نصحه ووعظه وإرشاده .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب