الحمد لله.
أولا : لم يرد في السنة دعاء صحيح خاص يقوله المسلم فيحفظه الله تعالى من الحريق
الحريق من الآفات العظام التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها ، ويسأل الله تعالى أن يقيه منه ومن غيره من المصائب .
عن أبي اليسر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الَّلهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي وَالهَدمِ وَالغَرَقِ وَالحَرِيقِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَن يَتَخَبَّطَنِي الشَّيطَانُ عِندَ المَوتِ ، وَأَعُوذُ بِكَ أَن أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدبِرًا ، وَأَعُوذُ بِكَ أَن أَمُوتَ لَدِيغًا ) رواه النسائي (5531) والحاكم في المستدرك (1/713) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الحافظ ابن حجر في "بذل الماعون" (199) : ثابت ، وصححه الألباني في صحيح النسائي .
ولا أعرف في السنة دعاء صحيحا خاصا يقوله المسلم فيحفظه الله تعالى من الحريق ، إنما يدعو أن يحفظه الله تعالى من الأذى والمكروه ، ويسأل الله تعالى العافية والستر ، ويتعوذ مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه ، كما في الحديث السابق ، والله سبحانه وتعالى خيرٌ حافظا وهو أرحم الراحمين .
انظر جواب السؤال رقم (22816)
ثانيا : بعض الأحاديث الضعيفة الواردة في الحفظ من الحريق
روي في الحفظ من الحريق وغيره من الآفات حديث ضعيف ، لعل السائل يقصده ، وهو :
عن طلق بن حبيب قال : جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال : يا أبا الدرداء قد احترق بيتك . قال : ما احترق ، قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، من قالهن أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي ، ومن قالهن آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح : اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت ، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أعلم أن الله على كل شيء قدير ، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا ، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم .
أخرجه ابن السني في كتابه "عمل اليوم والليلة" (25/ح27) ، والطبراني في الدعاء ( 2 / 954 )
قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " ( 2 / 836 ، 837 ):
" هذا حديث لا يثبت ، وآفته من الأغلب بن تميم ، قال يحيى بن معين: ليس بشيء ، وقال البخاري: منكر الحديث " انتهى .
وقد جاء الحديث من طريق أخرى بلفظ مقارب لما سبق ، أخرجها الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (2/953) قال : " حدثنا يزيد بن هارون ، ثنا معاذ أبو عبد الله قال : حدثني رجل عن الحسن به "
وهذا سند ضعيف لإبهام الرجل الذي يحدث عن الحسن .
وقد ضعف الحديث العراقي في "تخريج إحياء علوم الدين" (1/316) ، والشيخ الألباني في "تحقيق الكلم الطيب" (74) .
ثالثا :
إذا قدر الله وقوع الحريق ، فإن بعض أهل العلم يستحب التكبير عنده أثناء إطفائه ، ويقولون إن التكبير عند الحريق ينفع في إطفائه ومنع ضرره وأذاه .
ويُروَى حديث في ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِذَا رأيْتُمُ الحَرِيقَ فَكَبِّرُوا فَإِنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفئُهُ ) أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (295) ، والطبراني في "الدعاء" (1/307) ، ولكنه حديث ضعيف ، انظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (2603)
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في "الفتاوى الكبرى" (5/188) :
" ولهذا كان شعار الصلوات والأذان والأعياد هو : التكبير ، وكان مستحبا في الأمكنة العالية كالصفا والمروة وإذا علا الإنسان شرفا أو ركب دابة ونحو ذلك ، وبه يطفأ الحريق وإن عظم ، وعند الأذان يهرب الشيطان " انتهى .
ويقول ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (4/194) :
" لما كان الحريق سببه النار ، وهي مادة الشيطان التي خلق منها ، وكان فيه من الفساد العام ما يناسب الشيطان بمادته وفعله ، كان للشيطان إعانة عليه وتنفيذ له ، وكانت النار تطلب بطبعها العلو والفساد ، وهذان الأمران - وهما العلو في الأرض والفساد - هما هدي الشيطان ، وإليهما يدعو ، وبهما يُهلِك بني آدم ، فالنار والشيطان كل منهما يريد العلو في الأرض والفساد ، وكبرياء الرب عز وجل تقمع الشيطان وفعله ، ولهذا كان تكبير الله عز وجل له أثر في إطفاء الحريق ؛ فإن كبرياء الله عز وجل لا يقوم لها شئ ، فإذا كبر المسلم ربه أثَّر تكبيره في خمود النار وخمود الشيطان التي هي مادته ، فيطفئ الحريق ، وقد جربنا نحن وغيرنا هذا فوجدناه كذلك ، والله أعلم " انتهى .
والله أعلم .
تعليق