الحمد لله.
نشكر لك أخي الفاضل غيْرتك على دين الله ، ونثمِّن موقفك في الدفاع عنه ضد أعدائه من المشككين ، ولكن لا يمنعنا هذا من نصحك وتوجيهك لما فيه الخير لك ولدين الله تعالى الذي تغار عليه .
وهذه النصيحة تتلخص في عدم الدخول في معترك الشبهات والردود عليها إلا بعد أن تتقوى معرفتك بأحكام الإسلام وشرائعه ، ويتقوى إيمانك ويقينك ، وليس هذا من باب الاستحباب بل هو واجب في حقك ، وفي حق كل من يدخل في معترك الشبهات والردود على أهل البدع والضلال والأديان المحرَّفة ، وفي هذا الأمر عدة فوائد مهمة :
1. الحفاظ على دين الله وشريعته من المتحمسين الذين ليس عندهم زاد علمي ، فترى الشبهة التي يطرحهما أعداء الدين غير التي يردون عليها ، وترى – أحياناً أخرى – الرد ضعيفاً يقوِّي الباطل ويُضعف الحق .
2. الحفاظ على المسلمين المتحمسين لتلك الردود من الانجراف وراء الشبهة وأهلها ، فكثير من الداخلين في هذا المعترك يدخلون بزاد قليل ، فتخطف الشبهةُ قلوبَهم ، ولا يجد لها جواباً عنده ، فيحار ، ويتشكك ، كما أن كثرة النظر في الشبهات تُضعف القلب .
قال ابن القيم رحمه الله :
وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيرادٍ - :
" لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة ، فيتشربها ، فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ، ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات " أو كما قال .
فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
" مفتاح دار السعادة " ( 1 / 140 ) .
ونقل الإمام الذهبي رحمه الله عن سفيان الثوري رحمه الله قولَه :
" من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه ، لا يلقها في قلوبهم " .
فعلَّق عليه بقوله :
قلت : أكثر أئمة السلف على هذا التحذير ، يروْن أن القلوب ضعيفة ، والشُّبَه خطَّافة .
" سير أعلام النبلاء " ( 7 / 261 ) .
3. الحفاظ على الوقت وعدم إهداره مع المعاندين والجاحدين ، وعدم إهدار الوقت في باب واحد من العلم يجب أن يسبقه أبواب ، فلا يصلح الرد على أولئك الطاعنين في الدين إلا بعد الإلمام بالقرآن ، وصحيح السنَّة ، وهذا يستغرق من الطالب وقتاً طويلاً ، فبعض الشبهات الرد عليها من باب اللغة ، وبعضها من باب التفسير ، وأخرى من باب الحديث ، وأخرى من باب المنطق ، فأين المبتدئ المتحمس من هذا كله ؟! .
4. اختيار الطريقة المناسبة للدعوة ، فالدعوة إلى الله تحتاج لعلمٍ من الداعي ، وتحتاج لحكمة حتى يضع الأمور في مكانها المناسب ، فمن المدعوين من يكون هيناً ليِّناً قريباً للحق ، ومنهم من يكون معانداً ، فيحتاج الداعي لسلوك الطريق المناسبة مع كل واحدٍ من هؤلاء ، بالغلظة مع قوم ، وباللين والرقة مع آخرين .
قال الله تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) النحل/125 ، وقال سبحانه ( : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) العنكبوت/46 .
فكيف سيعرف المبتدئ الطريقة المناسبة للتعامل مع هؤلاء ؟ وكيف سيسلكها ؟ ومتى سيتوقف عنها ؟ كل ذلك يحتاج لأن يكون الداعي على قدر من العلم والحكمة ، وهذا ما لا يوجد في غالب المتحمسين المبتدئين .
ومنه يُعرف جواب سؤال الأخ الفاضل : هل يبقى في المنتدى مع رؤيته لسب الله تعالى ورسوله ودينه أم يخرج ؟ وهل ينطبق عليه ما ذكره من الآيات القرآنية في صلب السؤال ؟ .
ليس على ذلك جواب محدَّد ، إلا أن نعرف حال المنتدى ، وحال الداعي ، وحال الشبهات ، وهل يُسمح له بالرد والتعقب ، أم يقرأ فقط ولا يشارك ؟ إن معرفة هذه الأحوال تكوِّن فكرة عن الجواب اللائق المناسب .
وقد رأينا بعض إخواننا المتحمسين للدعوة يدخل غرف الزنادقة في " البال توك " الذين يسبون الصحابة ويكفرونهم ، ويؤذون المسلمين بفحش كلامهم ، وهم مع هذا يمنعون الأخ المسلم الداعية من أن يعلِّق بلسانه ، بل ولا يكتب ببنانه ! فأي وجه في بقائه بتلك الغرف الفاسدة ؟ إنه هنا ينطبق عليه ما ذُكر من الآيات في السؤال ، وهذا بخلاف من استمع ليجمع أقوالهم ويوثقها ، أو من استمع ليُفسَح له المجال في الرد عليها ، فمثل هذا لا ينطبق عليه ما ذُكر من الآيات القرآنية في السؤال .
وهذه وصية جامعة ، نسأل الله أن ينفع بها :
قال الشيخ العثيمين :
لا يجوز للإنسان أن يقرأ كتاباً مضلاً من كتب اليهود ، أو النصارى ، أو المشركين ، أو أهل البدع ؛ إلا إذا كان عنده رصيد قوي يمكن أن يتحصن به ، وأما إذا كان مبتدئاً في القراءة : فلا يجوز له أن يبدأ بقراءة هذه الكتب الباطلة ؛ لأنه ربما تأثر بما فيها من الباطل ، فهؤلاء ننصحهم بأن يتركوا هذه الكتب ، حتى يحصنوا أنفسهم بالعلوم الشرعية الصحيحة قبل أن يدخلوا في هذه الكتب المضلة ، فالإنسان إذا أراد أن يتحصن من السيل : أخذ في بناء السدود والمصارف قبل مجيء السيل ، لا يفعل ذلك بعد مجيئه ، فنقول : أولاً : حصنوا أنفسكم بمعرفة الشريعة ، واغرسوها في قلوبكم ، حتى إذا تمكنتم : فلا بأس أن تقرءوا ، لتردوا على شبهات القوم وأباطيلهم .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 47 / السؤال رقم 7 ) .
ونرجو النظر في السؤال رقم (22029) و (83621) ففيه بيان حكم النظر في كتب أهل الكتاب ، ومحاورتهم عبر الإنترنت .
تعليق