الحمد لله.
أولاً :
إذا كتب الإنسان الطلاق كتابة مستبينة واضحة ونوى الطلاق ، فإن الطلاق يقع باتفاق الفقهاء رحمهم الله ؛ لأن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق , فأشبهت النطق ; ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب , بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة , فبلغ بالقول مرة , وبالكتابة أخرى .
وأما إن كتب الطلاق ولم ينو بذلك الطلاق فلا يقع طلاقه عند جمهور العلماء .
قال
ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (10/504) : " فأما إن كان كتب ذلك من غير نية ,
ففي إحدى الروايتين عن أحمد : يقع ، وهو قول الشعبي , والنخعي , والزهري , والحكم ;
لما ذكرنا .
والثانية : لا يقع إلا بنية ، وهو قول أبي حنيفة , ومالك , ومنصوص الشافعي ; لأن
الكتابة محتملة , فإنه يقصد بها تجربة القلم , وتجويد الخط , وغم الأهل , فلم يقع
من غير نية " انتهى بتصرف .
وانظر: "بدائع الصنائع" (4/239) ، "الشرح الكبير" (2/384) للدردير؛ "مغني المحتاج" (3/284) ؛ "الإنصاف" (22/230) .
فعلى هذا ؛ لا يقع الطلاق بكتابته على الورقة في المحكمة ما دام أنه لم يقصد بذلك الطلاق .
وانظر جواب السؤال رقم (72291) (72860) .
ثانياً :
الواجب على المسلم أينما كان أن يكون أميناً صادقاً في أقواله وأفعاله وتعاملاته وتصرفاته مع الآخرين ، ولو كانوا غير مسلمين ، فلا يجوز له الكذب والغش ، فإن ذلك من كبائر الذنوب ، قال صلّى الله عليه وسلم : (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيِه كَانَ مُنَافِقًا خَاِلصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) رواه البخاري (34) ومسلم (58) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (مَنَ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) مسلم (102) .
والتحايل على النظام بادّعاء الطلاق من أجل الحصول على منفعة مادية من الشقة والراتب ، غِش وكذب وتزوير لا يجوز ، ولو كان في دولة كافرة ، ما دام أنه يقيم في تلك الدولة بأمان رسمي من الدولة .
فما دامت تلك الدولة قد أمَّنته ، وتحميه وتحافظ عليه وعلى أمواله ، فالواجب عليه أن يكون أميناً تجاه تلك الدولة ، فلا يجوز له خيانتها أو غشها .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : "إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان ، فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم ، أو يبلغوا مدة إقامتهم ، وليس لهم ظلمهم أو خيانتهم" انتهى .
"الأم" (4/263) .
فالواجب على من يقيم في بلاد غير المسلمين أن يلتزم شرع الله ويتحلى بآداب الإسلام وأخلاقه الفاضلة ، كي يظهر لغير المسلمين فضل الإسلام وعظمته ، حتى يأخذوا عنه انطباعا حسنا ، لا أن يخالف تعاليم الإسلام ويرتكب ما نهى عنه ، فيسيء بذلك إلى نفسه والإسلام .
والله أعلم .
تعليق