فتاة تزوجت رجلاً لا ترغب به، وإنما أرغمها والدها على ذلك إرغاماً، فهل هذا النكاح صحيح أم لا؟ وإذا امتنعت هذه الفتاة من أن تمكن هذا الزوج منها، فأرغمها وأجبرها على الجماع إجباراً فما الحكم هنا؟ هل يُعتبر هذا زناً؟
الحمد لله.
أولاً : يحرم على ولي المرأة أن يجبرها على الزواج بمن لا ترغب به ولا ترضاه ، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ ). رواه البخاري (6968) ، ومسلم (1419).
وظاهره العموم في كلِّ بكر ، وفي كلِّ وليٍّ ، لا فرق بين أب ولا غيره ، ولهذا ترجم البخاري رحمه الله على الحديث بقوله : " باب لا يُنكح الأبُ وغيره البكرَ والثَّيِّبَ ، إلا برضاهما".
ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله في بناته ، فلا يزوجهن إلا ممن يرضين به من الأكفاء والنظراء ، فإنه إنما يزوجها لمصلحتها لا لمصلحته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وأمَّا تزويجها مع كراهتها للنكاح ، فهذا مخالف للأصول والعقول ، والله لم يُسوِّغ لوليها أن يُكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها ، ولا على طعام ، أو شراب ، أو لباس ، لا تريده ، فكيف يكرهها على مباضعة ومعاشرة من تكره مباضعته ! ، ومعاشرة من تكره معاشرته !.
والله قد جعل بن الزوجين مودةً ورحمة ، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له ونفورها عنه ، فأيُّ مودةٍ ورحمةٍ في ذلك !! ". انتهى من " مجموع الفتاوى" (32/25).
ثانياً : إذا تم عقد النكاح مع الإكراه ، فإن هذا العقد يكون موقوفاً على إجازة المرأة ، فإن أجازته صار عقداً صحيحاً ، وإن لم تجزه فهو عقد فاسد .
عن بُرَيْدَةَ بن الحصيب قال : جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ .
فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا .
فَقَالَتْ : قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي ، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ.
رواه ابن ماجه (1874) ، وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة (2/102) ، وكذا قال الشيخ مقبل الوادعي : " صحيح على شرط مسلم " ، انتهى من الصحيح المسند صـ 160
وفي حال لم تجز المرأة هذا النكاح ، فإنه يكون فاسداً ، وعليها أن تخبر من عُقد له عليها بذلك ، وليس له أن يجبرها على الجماع والمعاشرة ، وليس لها أن تمكنه من ذلك ما دامت غير راضية بهذا الزواج .
ومع الحكم على هذا الزواج بالفساد ، إلا أن هذا الحكم لا يثبت ولا يتقرر إلا بطلاق الرجل لها أو حكم المحكمة بذلك ، نظراً لوجود خلاف بين العلماء في صحة هذا الزواج ، حيث إن جمعاً كثيرا من أهل العلم يجيزون هذا النكاح.
وعلى هذا فيلزمك رفع أمرك للقاضي الشرعي ليحكم بفسخ هذا النكاح .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم الإسلام فيمن زُوجت وهي مكرهة؟
فأجابت : " إذا لم ترض بهذا الزواج ، فترفع أمرها إلى المحكمة ، لتثبيت العقد أو فسخه ". انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (18/126) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" النكاح فاسد في أصح قولي العلماء ، لكن ليس لها أن تتزوج إلا بعد تطليقه لها ، أو فسخ نكاحها منه بواسطة الحاكم الشرعي ؛ خروجاً من خلاف من قال إن النكاح صحيح ". انتهى " مجموع فتاوى ابن باز" (20/411).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا قلنا : إن النكاح غير صحيح ، فلا بد من فسخه ؛ لأنه لم يصح ، لكن لو فرضنا أن المرأة دخلت على الرجل ، وأعجبها الرجل وأجازت العقد ، فإن ذلك لا بأس به ، ويكون النكاح صحيحاً بناءً على إجازتها ". انتهى من " اللقاء الشهري" (1/343).
ثالثاً : إذا تم الإجبار على الجماع ، فلا يعد هذا زناً بالمعنى الشرعي ، لأجل الشبهة الحاصلة بعقد النكاح الذي بينهما ، وهو عقد مختلف في صحته ، كما سبق ، وإن كان يحرم على الرجل فعل ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ولا يحل للزوج أن يدخل عليها وهي مجبرة عليه ؛ لأن النكاح غير صحيح ". انتهى من " اللقاء الشهري " [1 /343]
وعلى كل الأحوال فليس على المرأة إثم في ذلك ما دامت مجبرة ، وهي بين خيارين : أن تقر هذا الزواج وترضى به ، أو أن تعلن رفضه وتسعى في فسخه عن طريق القاضي الشرعي ، وللاستزادة ينظر جواب السؤال (105301 ) ، (47439) ، (138734) .
والله أعلم .