الحمد لله.
أولاً : يحرم على ولي المرأة أن يجبرها على الزواج بمن لا ترغب به ولا ترضاه ، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ ). رواه البخاري (6968) ، ومسلم (1419).
وظاهره العموم في كلِّ بكر ، وفي كلِّ وليٍّ ، لا فرق بين أب ولا غيره ، ولهذا ترجم البخاري رحمه الله على الحديث بقوله : " باب لا يُنكح الأبُ وغيره البكرَ والثَّيِّبَ ، إلا برضاهما".
ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله في بناته ، فلا يزوجهن إلا ممن يرضين به من الأكفاء والنظراء ، فإنه إنما يزوجها لمصلحتها لا لمصلحته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وأمَّا تزويجها مع كراهتها للنكاح ، فهذا مخالف للأصول والعقول ، والله لم يُسوِّغ لوليها أن يُكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها ، ولا على طعام ، أو شراب ، أو لباس ، لا تريده ، فكيف يكرهها على مباضعة ومعاشرة من تكره مباضعته ! ، ومعاشرة من تكره معاشرته !.
والله قد جعل بن الزوجين مودةً ورحمة ، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له ونفورها عنه ، فأيُّ مودةٍ ورحمةٍ في ذلك !! ". انتهى من " مجموع الفتاوى" (32/25).
ثانياً : إذا تم عقد النكاح مع الإكراه ، فإن هذا العقد يكون موقوفاً على إجازة المرأة ، فإن أجازته صار عقداً صحيحاً ، وإن لم تجزه فهو عقد فاسد .
عن بُرَيْدَةَ بن الحصيب قال : جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ .
فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا .
فَقَالَتْ : قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي ، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ.
رواه ابن ماجه (1874) ، وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة (2/102) ، وكذا قال الشيخ مقبل الوادعي : " صحيح على شرط مسلم " ، انتهى من الصحيح المسند صـ 160
وفي حال لم تجز المرأة هذا النكاح ، فإنه يكون فاسداً ، وعليها أن تخبر من عُقد له عليها بذلك ، وليس له أن يجبرها على الجماع والمعاشرة ، وليس لها أن تمكنه من ذلك ما دامت غير راضية بهذا الزواج .
ومع الحكم على هذا الزواج بالفساد ، إلا أن هذا الحكم لا يثبت ولا يتقرر إلا بطلاق الرجل لها أو حكم المحكمة بذلك ، نظراً لوجود خلاف بين العلماء في صحة هذا الزواج ، حيث إن جمعاً كثيرا من أهل العلم يجيزون هذا النكاح.
وعلى هذا فيلزمك رفع أمرك للقاضي الشرعي ليحكم بفسخ هذا النكاح .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم الإسلام فيمن زُوجت وهي مكرهة؟
فأجابت : " إذا لم ترض بهذا الزواج ، فترفع أمرها إلى المحكمة ، لتثبيت العقد أو فسخه ". انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (18/126) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" النكاح فاسد في أصح قولي العلماء ، لكن ليس لها أن تتزوج إلا بعد تطليقه لها ، أو فسخ نكاحها منه بواسطة الحاكم الشرعي ؛ خروجاً من خلاف من قال إن النكاح صحيح ". انتهى " مجموع فتاوى ابن باز" (20/411).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا قلنا : إن النكاح غير صحيح ، فلا بد من فسخه ؛ لأنه لم يصح ، لكن لو فرضنا أن المرأة دخلت على الرجل ، وأعجبها الرجل وأجازت العقد ، فإن ذلك لا بأس به ، ويكون النكاح صحيحاً بناءً على إجازتها ". انتهى من " اللقاء الشهري" (1/343).
ثالثاً : إذا تم الإجبار على الجماع ، فلا يعد هذا زناً بالمعنى الشرعي ، لأجل الشبهة الحاصلة بعقد النكاح الذي بينهما ، وهو عقد مختلف في صحته ، كما سبق ، وإن كان يحرم على الرجل فعل ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ولا يحل للزوج أن يدخل عليها وهي مجبرة عليه ؛ لأن النكاح غير صحيح ". انتهى من " اللقاء الشهري " [1 /343]
وعلى كل الأحوال فليس على المرأة إثم في ذلك ما دامت مجبرة ، وهي بين خيارين : أن تقر هذا الزواج وترضى به ، أو أن تعلن رفضه وتسعى في فسخه عن طريق القاضي الشرعي ، وللاستزادة ينظر جواب السؤال (105301 ) ، (47439) ، (138734) .
والله أعلم .
تعليق