انتشر في مجتمعنا إقامة ولائم ومناسبات من مشجعين لرياضة كرة القدم بمناسبة فوز فريقهم المفضل ببطولة الدوري أو الكأس ، فما حكم هذه الولائم ، وما حكم حضورها لمن دعي إليها ؟
الحمد لله.
الفتوى في هذه المسألة لا بد أن تتوسط بين الإباحة الأصلية تبعا للبراءة الأولى ، وبين تقدير واقع الحال واعتبار المآل الذي تتهاوى إليه عزائم الناس في هذا الشأن ، كي نتحرى الصواب والوسط الذي يجلب الخير للناس ، ويرفع عنهم الحرج في الوقت نفسه ، والله عز وجل يقول : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/6.
وواقع الحال واعتبار المآل في إقامة مآدب أو ولائم مشجعي الفرق الرياضية يحكي عن نفسه كثيرا من الأخطاء والمخالفات ، أو على الأقل كثيرا من مساوئ العادات ، ومن ذلك :
أولا
ضياع الأموال في غير طائل ، والله عز وجل سائلنا عن هذا النعيم ، وعن نعمه الكثيرة ، وسائلنا عن أموالنا من أين اكتسبت وفيم أنفقت ، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه : " التبذير الإنفاق في غير حق " رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (9/206)، ولا نظن أن أحدا من أصحاب هذه الولائم يدعي أنها ولائم حق ، ومآدب صدق ، بل يعلمون أنها زخرف زائل ، وأسباب لفوات الأعمار في غير طائل . وانظر جواب رقم : (137954) .
ثانيا
بمثل هذه المأدبات تمتلئ القلوب تعصبا مقيتا ، وتوغر صدور المشجعين بعضهم على بعض ، فتزيد الفرقة بين الناس ، وتتفرق صفوف الشعوب ، فتزداد وهنا على وهنها ، والله عز وجل يقول : ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) الأنفال/46.
ثالثا
أما ضياع الأعمار ، وفوات الطاقات العقلية والبدنية على أصحاب تلك الهموم – هموم الفرق الرياضية – فذلك حديث ملؤه الأسى والحزن ، ونحن نرتقب في أمتنا حضارة قادمة ، ونورا ساطعا يلوح في الأفق ، ولكن حين نرى مثل تلك الممارسات ندرك أن فجرنا ما زال بعيدا ، وأن مجتمعاتنا لم تبلغ الشأن اللازم لتحقيق نهضتها الحقيقية ، ولن تبلغ ذلك الشأن حتى تجتمع طاقات الشباب في العمل والبناء ، فتخلفنا عن ركب الأمم يقتضي منا مضاعفة أوقات الأعمال ، ومضاعفة عمليات البناء على جميع الأصعدة أضعافا كثيرة .
ونحن لا نقول ذلك تعميما على جميع المشجعين ولا تحريما لجميع ممارساتهم ، ولكنها محاذير نخشى أن يقع فيها هؤلاء ، وأن تأخذهم غفلتهم نحو المجهول ، والتفاتة واحدة منهم إلى الوراء كفيلة بمعرفة قدر ما ضاع وفات في غير حق ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً ، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ ) .
رواه الترمذي في السنن (رقم/3380) وبوب عليه بقوله : " باب في القوم يجلسون ولا يذكرون الله "، وقال عقب الرواية : " هذا حديث حسن ، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعنى قوله : ( ترة ) : يعني حسرة وندامة " انتهى .
وصححه الألباني في " مشكاة المصابيح " برقم (2274) .
وإذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ ، وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ ) رواه البخاري (5177) ومسلم (1432) ، فمن باب أولى أن يكون شر الطعام هو ما يدعى إليه لعصبية مقيتة ، وفرحة متوهمة ، وقد نص الفقهاء على كراهة حضور الولائم التي يقيمها أصحابها " طلبا للمباهاة والفخر " ، انظر " نهاية المحتاج " (6/370)، وجاء في " كشاف القناع " (5/166): "منع ابن الجوزي من إجابة فاسق ومتفاخر بها أو فيها ، وكذا إن كان فيها مضحك بفحش أو كذب ؛ لأن ذلك إقرار على معصية ، وإن علم حضور الأرذال ... إن كانوا يتكلمون بكلام محرم فقد اشتملت الدعوة على محرم ، وإن كان مكروها فقد اشتملت على مكروه " انتهى باختصار.
والخلاصة : أننا نرى كراهة إقامة مثل تلك الولائم ، وكراهة حضورها أيضا ، وقد سبق في موقعنا نشر مجموعة من الفتاوى التي تتناول قضية التشجيع الرياضي وما فيه من ممارسات وعادات سيئة ، يمكن مراجعتها في الأرقام الآتية : (75644) ، (82718) ، (84291) ، (22636) ، (102150) .
والله أعلم