الحمد لله.
أولاً:
الأصل في المسلم أنه دائم السعي نحو الارتقاء إلى معالي الأمور ، دائم الفكر في عوالي القيم وشريف الهمم ، يطلب النجاح والتوفيق ، وينشد المزيد من العلم والخلق والعمل ، وإذا شغله مثل هذا الفكر والهم ، نأى به عن سفاسف الأمور ودنيها .
وهو حين يرى من الناس إقبالا على الجهالات ، وغلوا في المكروهات ، يسعى في ردهم إلى صوابهم ، وتخفيف غلوائهم ، ولا يشاركهم في تلك " الحمى " التي أصابتهم .
جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشرَافَهَا ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا )
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 131 ) ، وحسَّنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1627 ) .
والسفْساف : الأمرُ الحقيرُ والرديء من كل شيء ، وهو ضدّ المعالِي والمكارِم ، وأصله : ما يطير من غُبار الدقيق إذا نُخِل ، والترابِ إذا أثير .
" النهاية في غريب الحديث " ( 2 / 943 ) .
إن الذي يجري اليوم في ملاعب كرة القدم ومنتديات الرياضة لمما يَأسف له كل عاقل ، حين يرى تلك الطاقات الهائلة في شباب المسلمين تغرق في أوحال الأوهام ، لا لشيء تستفيده وتنتفع به ، إنما لملء الفراغ والرغبات ، ولمجاراة سعار اللذة المادية التي طغت ثقافتها في جميع جوانب الحياة .
ونحن ندرك أن الأصل في العادات الإباحة ، وأن أنشطة المجتمعات لا بد وأن تنطوي على أشياء من الرياضة المفيدة والمتعة والتسلية ، غير أن الخطر المحيط هو في الإغراق في تلك الممارسات ، لتغدو عادات تتشبع بها نفوس ملايين الشباب ، وظاهرة تعيشها بيوت المسلمين مع كل " بطولة " وكل " مباراة " في الشرق أو الغرب .
ومن المعلوم أن المباح ينتقل إلى دائرة المنع والتحريم إذا تحول إلى وسائل لتدمير الأمة ، وهدر جهودها وطاقاتها ، وهي في أمس الحاجة لكل جهد وفكر ووقت ، فقد كفاها ضيعتها وتفريطها في العقود الأخيرة .
وهذا نقوله غيرة على طاقات شبابنا التي ينبغي أن تُقضى في علم نافع ، وتطوير للذات ، وارتقاء بالمعارف ، وعلو في الأخلاق ، واستزادة من الخبرات ، وممارسة لأعمال الخير والنجاح التي تنفع الناس والعباد والبلاد .
جاء في كتاب " كرة القدم بين المصالح والمفاسد "للشيخ مشهور حسن سلمان ( ص 3 ، 4 ):
" تحظى لعبة كرة القدم في جميع البلاد العربية عند الناس هذه الأيام بمزيد من العناية والاهتمام بحيث لا تزاحمها القضايا المصيرية !!
وأصبحت هذه اللعبة – مع ما في الساحة العالمية من أحداث جسام – قصة خداع الجماهير خداعا كاملا على جميع المستويات ، فنرى تفاعلهم مع المباريات على وجه أشد وأكثر من تفاعلهم مع مصير بعض الشعوب الإسلامية في سائر القارات ، ويزيد هذا التفاعل عناية الجرائد والمجلات وبث المباريات على الشاشات ، ونشر ما يخص الأندية والأبطال ! مِن أخبار وحكايات ، وكان ذلك كله سبباً في جذب الناس إلى الرياضة والرياضيين .
وساعد على ذلك فراغهم وسذاجتهم ونسيانهم الغاية التي خلقوا من أجلها ، والهدف الذي ينبغي أن يعملوا لتحقيقه " . انتهى .
ولا شك أن أخطر ما يمكن أن تواجهه الأمة أن تشغل بما لا مضمون فيه ، وتحرم من برامج التطوير والتحسين ، وهذا ما يريده الأعداء .
جاء في " بروتوكولات حكماء صهيون " ( ص 241 : في البروتوكول الثالث عشر ) :
" ولكي تبقى الجماهير في ضلال ، لا تدري ما وراءها وما أمامها ، ولا ما يراد بها ، فإننا سنعمل على زيادة صرف أذهانها بإنشاء وسائل المباهج ، والمسليات ، والألعاب الفكاهية ، وضروب أشكال الرياضة واللهو وما به الغذاء لملذاتها وشهواتها ، والإكثار من القصور المزوقة والمباني المزركشة ، ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنية رياضية من كل جنس ، فتتوجه أذهانها إلى هذه الأمور ، وتنصرف عما هيأناه ، فنمضي به إلى حيث نريد " . انتهى .
ثانياً:
لم يعد يخفى على أحد ما في لعبة كرة القدم من مفاسد ، وقد سبق ذكر كثير منها في
جواب السؤال رقم ( 84291 ) ،
وأما الأندية القائمة على احتضان أولئك اللاعبين ودعمهم وتهيئتهم فهي أيضاً لا تخلو
من مفاسد ، بل هي أصل مفاسد اللعبة واللاعبين ، وقد ساهمت هذه الأندية في تفرقة
الأمة الواحدة إلى فرق متناحرة ، فاتخذ كل نادٍ شعاراً ولوناً وراية ، وصار له
مهووسون به ، ومتيمون بحبِّه ، يوالون ويعادون عليه ، ويحبون ويبغضون فيه ، وهذا
أمر مشاهد لا جدال فيه ، ومن رأى حوادث الشغب في المباريات ، وما يفعله المشجعون
لكل نادٍ بمشجعي الطرف الآخر المضاد : علم مدى الفساد الذي وصلت له تلك الأندية ،
وأوصلت به اللعبة واللاعبين إلى هوة سحيقة .
وينظر في بيان تحريم تشجيع الأندية الرياضية : جواب السؤال رقم : (
22636 ) .
والعجب أن يشارك المنشدون ! في ذلك السعار ، وأن يساهموا في زيادة الشقة والفساد
بين أهل البلد الواحد ، فيدبجون القصائد ، ويتنغمون بها ، في المدح والثناء للاعبٍ
أو نادٍ !!
وقد زعم هؤلاء المنشدون - ومن وراءهم – أنهم أصحاب رسالة سامية ، وأنهم يقدمون
للأمة فنّاً راقياً بعيداً عن إسفافات المغنين ، فأي رسالة سامية في تشجيع نادٍ على
آخر ؟! وأي فنٍّ راقٍ هذا ؟! وهل ابتعدوا عن الإسفافات والجهالات بفعلهم هذا ؟!
وماذا لو جاء منشد آخر ليشجع النادي المقابل ! فهل ستكون معركة أناشيد إسلامية
لنصرة أندية فاسدة ، يخرج لاعبوها كاشفين عن عوراتهم ، يضيعون صلواتهم ، وينشرون
العصبية والجاهلية في مجتمعاتهم ؟! وهل سنرى في الأناشيد توظيفاً للآيات والأحاديث
وتشبيهاً بالأبطال من هذه الأمة المجيدة ؟!
ولذلك فنحن نربأ بهؤلاء المنشدين - وبكل مسلم غيور على أمته ، حريص على توجيه
جهودها - أن يسيروا في ركب المضيعين المفرطين ، وأن يشاركوهم إهدارهم الأموال
الطائلة والأوقات العظيمة والطاقات الكبيرة في لعبة أو أخرى ، فلا ينبغي أن يكونوا
عوناً للشيطان على الناس ، بل يجب أن نكون جميعا حصونا للأمة من الهلاك والضياع .
نسأل الله تعالى لنا ولكم السلامة والعافية .
والله أعلم
تعليق