الحمد لله.
قال الله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) الأعراف/31 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" والإسراف إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي ، والشره في المأكولات الذي يضر بالجسم ، وإما أن يكون بزيادة الترفُّه والتنوُّق في المآكل والمشارب واللباس ، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام " . انتهى . " تفسير السعدي" (287) .
وقال تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) . الإسراء/26-27 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" لما أمر بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه ، بل يكون وسطًا ، كما قال في الآية الأخرى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [ الفرقان: 67 ] .
ثم قال: منفرًا عن التبذير والسرف : إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ أي: أشباههم في ذلك.
وقال ابن مسعود : التبذير: الإنفاق في غير حق. وكذا قال ابن عباس .
وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرًا ، ولو أنفق مدًا في غير حقه كان تبذيرًا .
وقال قتادة : التبذير: النفقة في معصية الله تعالى ، وفي غير الحق وفي الفساد ". انتهى .
"تفسير ابن كثير" (5/69) .
وقال الشيخ السعدي رحمه الله :
" يقول تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ من البر والإكرام ، الواجب والمسنون ؛ وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الأحوال والأقارب والحاجة وعدمها والأزمنة .
وَالْمِسْكِينَ آته حقه من الزكاة ومن غيرها ، لتزول مسكنته وَابْنَ السَّبِيلِ وهو الغريب المنقطع به عن بلده ، فيعطي الجميع من المال على وجه لا يضر المعطي ولا يكون زائدا على المقدار اللائق فإن ذلك تبذير قد نهى الله عنه ، وأخبر: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ؛ لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة ، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك ، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه ، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " . "تفسير السعدي" (456) .
فقد تبين أن الله تعالى أمر عباده أباح لعباده أن يتنعموا بما أنزل لهم من الطيبات ، من الطعام والشراب واللباس ، وأمرهم أن يصلوا ذوي القربى ، وأن يعطوا المساكين ، ونهاهم في نفقتهم وعطائهم عن الإسراف والتبذير .
فأما النفقة في شيء محرم ، فهي إسراف وتبذير ، وأما النفقة في الأمور المباحة ، فالإسراف فيها يختلف بحسب حال المنفق ، وموضع نفقته ، وغير ذلك من العوارض التي تعرض لفعله ، من حيث الزمان ، والمكان ، والإمكان .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
نسمع أن الإسراف يختلف من شخص إلى آخر ، وذلك على حسب المال الذي عنده سواء كان تاجراً أو غنياً ؟
فأجاب :
" هذا صحيح ، الإسراف أمر نسبي ، لا يتعلق بنفس العمل وإنما يتعلق بالعامل ، فمثلاً : هذه امرأة فقيرة اتخذت من الحلي ما يساوي حلي المرأة الغنية تكون مسرفة ؟ لو اتخذ هذا الحلي امرأة غنية قلنا : إنه لا إسراف فيه ، ولو اتخذته امرأة فقيرة قلنا : فيه إسراف ، بل حتى الأكل والشرب يختلف الناس في الإسراف فيه : قد يكون الإنسان فقيراً ، يعني : من الناس من تكفيه المائدة القليلة ، وآخر لا يكفيه ، ثم إنه – أيضاً - تختلف باعتبار أن الإنسان قد ينزل به ضيف فيكرمه بما لا يعتاد أكله هو في بيته فلا يكون هذا إسرافاً .
فالمهم أن الإسراف يتعلق بالفاعل لا بنفس الفعل لاختلاف الناس فيه " انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (88 / 34)
وقال رحمه الله أيضا :
" الإسراف مجاوزة الحد , وقد بين الله تعالى في كتابه أنه لا يحب المسرفين , وإذا قلنا : إن الإسراف مجاوزة الحد , صار الإسراف يختلف : فقد يكون هذا الشيء إسرافاً بالنسبة لفلان , وغير إسراف بالنسبة لفلان , فهذا الذي اشترى بيتاً بمليونين من الريالات ، وأثثه بستمائة ألف ، واشترى سيارة , إذا كان غنياً فليس مسرفاً ؛ لأن هذا سهل بالنسبة للأغنياء الكبار , أما إذا كان ليس غنياً فإنه يعتبر مسرفاً , سواء كان من أوساط الناس أو من الفقراء ؛ لأن بعض الفقراء يريد أن يكمل نفسه , فتجده يشتري هذه القصور الكبيرة , ويؤثثها بهذا الأثاث البالغ ، وربما يكون قد استدان بعضها من الناس , فهذا خطأ .
فالأقسام ثلاثة : الأول : غني واسع الغنى , فنقول : إنه في وقتنا الحاضر - ولا نقول في كل وقت - : إذا اشترى بيتاً بمليونين ريال وأثثه بستمائة ألف ريال واشترى سيارة , فليس بمسرف .
الثاني : الوسط , فيعتبر هذا بحقه إسرافا ً.
الثالث : الفقير , فيعتبر في حقه سفهاً ؛ لأنه كيف يستدين ليكمل شيئاً ليس بحاجة إليه ؟! "
انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (107 / 23)
وبناء على ما سبق : فإن كان ما تطلبه الأم والأخت من الأشياء مباحا ، وكان في مقدروك شراؤها ، بحيث لا يشق عليك ، ولا يضر بنفقة هي أولى من ذلك : جاز لك شراؤها ، وكون ذلك إسرافا يرجع إلى ما سبق تقريره ، فإن كان مألوفا أن من هو في مثل حالكم يشتري مثل هذه الأشياء : فليس ذلك في حقكم إسرافا .
ويترجح في حقك شراء مثل ذلك ، متى قدرت عليه ، إن كان يترتب على ذلك الشراء صلة للأرحام ، واستصلاح للقلوب ، أو خيف من تركها قطيعة الرحم ، أو فساد ذات البين .
والله تعالى أعلم .
للاستزادة : راجع إجابة السؤال رقم : (101903) .
تعليق