الحمد لله.
أولا:
صلاة الرجل بامرأة ليست من محارمه فيها تفصيل:
فإن كان ذلك مع الخلوة : فهذا محرم.
وإن كان من غير خلوة : فهو مكروه.
قال النووي رحمه الله: " قال أصحابنا : إذا أمَّ الرجل بامرأته أو محرم له , وخلا بها : جاز بلا كراهة ; لأنه يباح له الخلوة بها في غير الصلاة .
وإن أمَّ بأجنبية ، وخلا بها : حرم ذلك عليه وعليها , للأحاديث الصحيحة التي سأذكرها إن شاء الله تعالى .
وإن أمَّ بأجنبيات وخلا بهن : فقطع الجمهور بالجواز , ونقله الرافعي في كتاب العدد عن أصحابنا .
ودليله : الحديث الذي سأذكره إن شاء الله تعالى .
ولأن النساء المجتمعات لا يتمكن في الغالب الرجل من مفسدة ببعضهن في حضرتهن ...
وأما الأحاديث الواردة في المسألة : فمنها : ما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والدخول على النساء , فقال رجل من الأنصار , أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت " رواه البخاري ومسلم .
الحمو : قرابة الزوج , والمراد هنا : قريب تحل له ، كأخي الزوج وعمه وابنهما وخاله وغيرهم ، وأما أبوه وابنه وجده فهم محارم تجوز لهم الخلوة , وإن كانوا من الأحماء .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم " رواه البخاري ومسلم .
وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر : " لا يدخلن رجل بعد يومي هذا ، سرا ، على مُغِيبَة ، إلا ومعه رجل أو اثنان " رواه مسلم .
المغيبة - بكسر الغين - : التي زوجها غائب, والمراد هنا غائب عن بيتها, وإن كان في البلدة . " المجموع " ( 4 / 173 ، 174 ) .
وقال في شرح منتهى الإرادات (1/ 277): " (وكره أن يؤم) رجل امرأة (أجنبية) منه ، (فأكثر) من امرأة ، (لا رجلَ فيهن) ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن خلوة الرجل بالمرأة " ، ولما فيه من مخالطة الوسواس .
لكن إن كان مع خلوة : حَرُم.
وإن أم محارمه، أو أجنبيات معهن رجل، أو مُحَرَّمة : فلا كراهة؛ لأن النساء كن يشهدن الصلاة معه صلى الله عليه وسلم" انتهى.
ويجب الحذر من فتنة النساء، ومجانبة الاختلاط في العمل أو الدراسة، فإن ذلك باب شر كبير.
ثانيا:
إذا أم الرجل امرأة ، فإنها تكون خلفه؛ لما روى البخاري (380) ومسلم (658) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ ، فَأَكَلَ مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ : قُومُوا ، فَلِأُصَلِّ لَكُمْ . قَالَ أَنَسٌ : فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ .
قال الحافظ في الفتح : " وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد: ... تَأْخِير النِّسَاء عَنْ صُفُوف الرِّجَال , وَقِيَام الْمَرْأَة صَفًّا وَحْدهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا اِمْرَأَة غَيْرهَا " انتهى.
ثالثا:
إذا كان الإمام والمأموم داخل المسجد : لم يضر الفصل بينهما إذا كان المأموم يسمع تكبيره.
وإن كان المأموم خارج المسجد، لم يصح اقتداؤه بالإمام، إلا إذا كان يرى الإمام ، أو المأمومين، على خلاف بين الفقهاء في ذلك.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم صلاة النساء في المساجد التي لا يرين فيها الإمام ولا المأمومين ، وإنما يسمعن الصوت فقط ؟
فأجاب : "يجوز للمرأة ، وللرجل أيضا : أن يصلي مع الجماعة في المسجد ، وإن لم ير الإمام ولا المأمومين ، إذا أمكن الاقتداء .
فإذا كان الصوت يبلغ النساء في مكانهن من المسجد ، ويمكنهن أن يقتدين بالإمام ، فإنه يصح أن يصلين الجماعة مع الإمام ؛ لأن المكان واحد ، والاقتداء ممكن ، سواء كان عن طريق مكبر الصوت ، أو عن طريق مباشر بصوت الإمام نفسه ، أو بصوت المبلغ عنه .
ولا يضر إذا كن لا يرين الإمام ولا المأمومين، وإنما اشترط بعض العلماء رؤية الإمام أو المأمومين ، فيما إذا كان الذي يصلي خارج المسجد ..." انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (15/ 213).
وينظر جواب السؤال رقم (93369) .
وينظر في حكم المصليات التي في الشركات: جواب السؤال رقم (136661) ورقم (10268).
رابعا:
إذا أم الرجل امرأة فإنه يقيم الصلاة، وليس للمرأة أن تؤذن أو تقيم لرجل ، أو لرجال ، ولو كانوا محارمها.
قال في مغني المحتاج (1/ 323): " (و) شرط المؤذن (الذكورة) ، ولو عبدا ، أو صبيا مميزا، فلا يصح أذان امرأة وخنثى ، لرجال وخناثى ، كما لا تصح إمامتهما لهم ... وقضية كلامهم : أنه لا فرق في الرجال بين المحارم وغيرهم ؛ وهو كذلك" انتهى.
وقال الرملي في حاشيته على أسنى المطالب (1/ 129): " (قوله ولا يصح أذان امرأة وخنثى لرجال) .
مقتضى إطلاقه صحة إقامة المرأة والخنثى للرجال ؛ وليس كذلك.
وعبارة العباب: وكون المؤذن والمقيم : مسلما ، عاقلا ، ذكرا" انتهى.
وعليه : فلو صلى رجل بزوجته، فإنه هو الذي يقيم الصلاة.
وإذا صلت المرأة وحدها أو بنساء، ففي إقامتها خلاف، والمفتى به عندنا أنه لا يشرع لها أذان ولا إقامة.
وينظر: جواب السؤال رقم (20225) ورقم (26332) ورقم (146921).
والله أعلم.