توجد قهوة تسمي (بُن عبد المعبود)، وأحيانا وأنا اسير في الشارع أجد غلاف هذه القهوة مرميا في الأرض، فأرفعه، أعلم أن المعبود ليس من أسماء الله تعالى، ولكن أخاف أن أترك الورقة المكتوب عليها عبد المعبود في الأرض، فهل يجب علي أن أرفع الورق الذي أجده مكتوبا عليه عبد المعبود؟ وهل أنا آثمة إذا لم أرفعه؟
الحمد لله.
أولا:
المعبود: كل من يعبد، بحق أو بباطل، فالصنم معبود لأهله، والمسيح معبود لعابديه.
قال الإمام أبو نصر الجوهري، رحمه الله: ” والآلهة: الاصنام، سموها بذلك لاعتقادهم أنَّ العبادة تَحُقُّ لها، وأسماؤهم تَتْبَعُ اعتقاداتِهم لا ما عليه الشئ في نفسه. والتأليه: التعبيد. والتَأَلُّهُ: التَّنَسُّكُ والتَعَبُّدُ.” انتهى، من “الصحاح” (6/2224).
ولا شك أن أهل الإسلام قاطبة: إذا أخبروا عن المعبود، فإن مرادهم: الله جل جلاله. وإذا سمي منهم أحد “عبد المعبود”: فإنما يعبدونه لله رب العالمين، لا لغيره، وهذا مفهوم لا يحتاج إلى بيان. ولهذا شاع فيهم التسمية بـ”عبد المعبود”، حتى إن ذلك معروف من قديم، ولا نعلم من أنكر هذه التسمية.
ولعل هذا مراد الإمام أبي بكر ابن العربي، رحمه الله، بـ”إجماع الأمة عليه”. قال:
“وهو اسم: لم يرد به قرآن، ولا رأيته في السنة. لكن: لما جاء (المُستعان)، من (نستعين)، قلنا: (المعبود)، من (نعبد). قدمنا (المستعان) عليه، لأنه ورد مذكورا بصيغة الأسماء، ولم يرد (المعبود) إلا فعلا.
وأجمعت الأمة عليه” انتهى، من “الأمد الأقصى” (2/472).
ثانياً:
التعبيد بالأسماء التي لم تثبت بصيغة الاسم، أو اختلف في كونها اسما: أمره واسع؛ فقد صرح بعض أهل العلم بجواز التسمية بما لم يثبت من الأسماء الحسنى؛ ما دام معلوما أن المراد به: الله جل جلاله، كما هو الشأن في (المعبود).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين، رحمه الله: ” ما حكم التعبيد بأسماء لم يثبت كونها من أسماء الله الحسنى، مثل:( عبد الستار )،( عبد المغني )،( عبد الهادي )،( عبد المنعم ) … ونحوها ؟ وهل يلزم تغييرها ؟
فأجاب: “الصحيح أن ما دل من الأسماء بإطلاق على الله تعالى جاز التعبيد به ، كالمذكورة ، ولا يلزم تغييره ، ومثلها : عبد الناصر”، انتهى من “ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين” (ص: 6)
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله: ” هل اسم (المُحسن): ورد؟
فأجاب: ” كلا؛ لم يرد. نعم؛ هو (المحسن) سبحانه، ولكن لم يرد في الأسماء الحسنى اسم (المحسن)”.
فسئل عقب ذلك: ” اسم (عبد المحسن): جائز؟
فأجاب: “لا مانع، إن شاء الله تعالى؛ لأن (المحسن): هو الله، سبحانه وتعالى. لكن لم يرد في الأسماء الحسنى، فيما نعلم. ولو سمى عبد الرحمن، وعبد الله، وعبد البصير، وعبد القدير: أولى”. انتهى، من “شرح كتاب التوحيد” (2/20).
ثالثا:
بناء على ما سبق: فمن كانت عنده أوراق فيها التعبيد لله جل جلاله، كعبد الله، وعبد الرحمن، ونحو ذلك: لم يجز له أن يلقيها على الأرض، أو في القمامة؛ بل يحرقها في مكان محترم، أو يمزقها، حتى لا يظهر اسم الله جل جلاله فيها، لئلا يتعرض شيء من أسماء الله تعالى للامتهان.
ويدخل في ذلك ما كان معبدا للأسماء التي اختلف في ورودها، أو في كونها من أسماء الله الحسنى، ما دام المعلوم عند الإطلاق: أن المراد بذلك: التعبيد لله جل جلاله، كعبد المحسن، وعبد المعبود، ونحو ذلك.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (218493)، ورقم: (406460).
رابعاً:
إذا رمي شيء من الأوراق، فيها ذكر اسم الله تعالى، أو اسم معبد لله جل جلاله، فالحرج في ذلك إنما هو على من ألقاها؛ لأنه هو الذي عرضها للامتهان. وقد قال الله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ [الأنعام: 164].
وينظر للفائدة: فتوى الشيخ ابن باز، رحمه الله، المنقولة في جواب رقم: (39376).
ومن رأى شيئا من هذه الأوراق ملقى على الأرض، أو في القمامة: ينبغي له أن يرفعها من مكان الامتهان، لا سيما إذا كانت أوراقا من المصحف الشريف، فهنا يجب عليه صيانتها، وحفظها، ونقلها من هذا المكان، إلى حيث يليق بها، أو إحراقها في مكان محترم.
لكن إذا كانت هذه الأوراق تكثر، ويشق جمعها؛ فلا يتحتم على المار في طريقٍ النظر في كل ورقة ملقاة على الأرض لينظر فيها ، كما لا يتحتم عليه رفع كل ورقة في الأرض بها ذكر الله ، لأن ذلك سيشق عليه كثيراً، وإنما الواجب عليه من ذلك ما قدر عليه واستطاع فعله دون الوقوع في الحرج والمشقة.
وينظر للفائدة: ما سبق في جواب السؤال رقم: (158570).
والله أعلم