الجمعة 7 جمادى الأولى 1446 - 8 نوفمبر 2024
العربية

هل يعتبر من أسلم من الأعراب وبعضهم أساء للنبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة؟

السؤال

نسمع بعض القصص عن بعض الأعراب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويصدر منهم سوء أدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الأحيان تصدر منهم وقاحات ، ولا نتمالك إلا ندعو عليهم أو نحقد عليهم في أقل الأحوال . فهل هم يعتبرون من الصحابة الكرام وإن أخطأوا ولا يجوز لنا الانتقاص منهم ؟ جزاكم الله خير عنا خير الجزاء ...

الجواب

الحمد لله.


الصحابي هو من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ، ومات على ذلك .
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه (3/1333) : " وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ رَآهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ " انتهى .
فكلّ من يصدق عليه هذا الوصف هو من جملة الصحابة ، لا يجوز النَّيْل منه أو انتقاصه ، لعموم قول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البخاري (3673) ومسلم (2541) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ) .
ثانياً :
الصحابة - رضوان الله عليهم - متفاوتون في الفضل والمكانة والدرجة ، قال تعالى : ( لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ) الحديد/10 ، وقال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/100 ، وقال في حقّ من تأخر اسلامه ولم يصل مكانة الأولين: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَّشَاءُ) الْجُمُعَةِ/3-4.
ثالثًا :
لا شك أنه لا يصدر من كبار الصحابة ومتقدميهم من المهاجرين والأنصار ، وعلى رأسهم : العشرة المبشرين بالجنّة ، وأصحاب بيعة الرضوان ، لا يصدر من هؤلاء إساءة للرسول عليه الصلاة والسّلام ، بل جلّ ما صدر من تصرفات لا تليق بمقام النبي صلى الله عليه وسلّم - وهي قليلة - ، إنما هي من بعض حديثي الاسلام ، ممن لم يخالط الايمانُ بشاشةَ قلوبهم ، وكثير منهم أهل بادية ، ومعلوم ما في أخلاق أهل البادية من جفاءٍ وغلظة في التعامل ، وقد أخرج الإمام أحمد(18619) بسند فيه ضعف عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ بَدَا جَفَا .
ولكنّ تصرفاتهم تلك لا ينبغي أن تحملنا على انتقاصهم أو النيل منهم ، لأنه حَسُن إسلامُهم بعد ذلك ، وصحبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم حُسْن صحبة ، وجاهدوا معه ، ولهذا قال تعالى : (وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التوبة/99 .
قال الشيخ ابن سعدي : "وفي هذه الآية دليل على أن الأعراب كأهل الحاضرة ، منهم الممدوح ومنهم المذموم ، فلم يذمهم اللّه على مجرد تعربهم وباديتهم ، إنما ذمهم على ترك أوامر اللّه ، وأنهم في مظنة ذلك "انتهى" تيسير الكريم الرحمن " (394) .

وكثير من الأفعال المذمومة : كانت تصدر من أهل النفاق ، أو ممن كان حديث عهد بإيمان ، ولم يتمكن الإيمان من قلبه بعد .

وعلى كل حال : فما ذكرته من بغضهم ، أو سبهم ، أو نحو ذلك : فهو خطأ ، لأن من الأعراب من هو مؤمن بالله ورسوله . ثم لا حاجة أصلا لمثل ذلك ، ففيه مفسدة ، أو تعرض لمفسدة ، من غير مصلحة شرعية تذكر ، فلا فيها اتباع لأمر ، ولا أخذ بفضيلة .

ولمزيد الفائدة يراجع أجوبة الأسئلة أرقام : (106419) ، (180550) ، (131936) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب