الحمد لله.
أولا:
يشترط في صرف العملات بعضها ببعض: حصول التقابض في المجلس؛ لأن العملات النقدية لها ما للذهب والفضة من الأحكام، وقد روى مسلم (1587) عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ .
والقبض حقيقي أو حكمي.
فالحقيقي أن يكون يدا بيد في المجلس.
والحكمي له صور، كأخذ الشيك المصرفي، والمصدّق، وأخذ ورقة الحوالة البنكية.
فإذا كان يمكنك التحويل إلى أهلك مباشرة عبر البنك، بأن تعطيه الريالات، ويعطيك ورقة الحوالة بالليرات، ثم يذهب أهلك إلى البنك في بلدك لاستلام الليرات، فلا حرج في ذلك؛ لحصول القبض الحكمي في عملية الصرف.
وينظر جواب السؤال : (147284 ).
ثانياً:
إذا لم يمكن التحويل إلى أهلك مباشرة، ولزم اللجوء إلى وسيط- كما في السؤال- فهنا تفصيل:
أ-إذا كان المال يصل إلى هذا الشخص بالليرات، أي أنك تحول إليه الريالات عبر البنك، وتقبض إيصال الحوالة، ويستلم هو الليرات، ثم يقوم عبر مكتب حوالة، بعمل حوالة داخلية إلى أهلك بالليرات، فلا حرج في ذلك، وقد تم التقابض في الصرف بينك وبين البنك كما سبق.
وتتفق مع هذا الشخص على أجرة مقابل هذا العمل؛ إذ عمله هو وكالة بأجرة.
ب-إذا كان المال يصل إلى هذا الشخص بالريال أو بالدولار، فيصرفه مع نفسه بالليرات، ويحولها إلى أهلك عبر مكتب حوالة، فهذه الصورة لا تجوز؛ لعدم التقابض في الصرف بينك وبين هذا الشخص.
والمعاملة هنا بينك وبينه هي صرف، وهو صرف محرم لانتفاء التقابض الحقيقي والحكمي.
والمخرج في هذا:
أن يكون لكلِّ واحدٍ منكما وكيلٌ في البلد الآخر، ثم تتفقان على وقتٍ محدَّدٍ تجتمعان فيه، بحيث تَدفَعُ له المبلغَ المُراد تحويله – أو تحوله له على حسابه-، وفي الوقت نفسه يقوم وكيلُه في البلد الآخر بتسليم وكيلِ المحوِّلِ المالَ بالعملة الأخرى، قبل افتراق المحوِّل والتاجر عن مجلس التعاقد.
قال في "كشاف القناع": "ولو وكّل المتصارفان مَن يقبض لهما، فتقابض الوكيلان قبل تفرُّق الموكِّلَين: جاز العقد, أي: صحَّ؛ لأنَّ قبضَ الوكيل كقبض موكِّله".
ثالثاً:
فإذا تعذَّر ذلك أو كان فيه مشقَّةٌ وحرجٌ:
فيُرجى في هذه الحال أنْ يُخفَّف مِن شرط التقابض نظراً للضرورة أو الحاجة الملحة، بسبب ظروف الحرب في سورية، وصعوبة التحويل إليها، وتعقُّد إجراء بعض المعاملات المالية، ولكن لا بدّ أن يتفقا على سعر الصرف وعلى قدر المبلغ الذي سيُسلَّم بالعملة الأخرى؛ تجنُّباً للوقوع في جهالة سعر المبيع.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:" أن يعطيه دراهم سعودية هنا، ويقدر قيمتها من الدولار ويتم العقد بينهما، ثم يحول الدولارات إلى البلد الثاني: فهذه محل نظر؛ لأنها مصارفة بدون قبض العوض.
لكني أقول إن شاء الله تعالى، وأسأل الله أن يعفو عني إن أخطأت، أقول: إذا دعت الضرورة إلى هذا، ولم يكن سبيل إلى إيصال الدراهم لبلد الصارف إلا بهذه الطريقة؛ فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس، لما في ذلك من التيسير على المسلمين، وعدم وجود دليل قطعي يمنع ذلك" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (233/ 1).
وقال أيضاً في "لقاء الباب المفتوح" (104/ 20، بترقيم الشاملة آليا) : "هذا للضرورة قد نقول: إنه جائز؛ لأني سمعت أنه لا يمكن إلا هذا؛ فإذا كان حقيقة لا يمكن إلا هذا، فهذا ضرورة، ولا بأس به". انتهى
والله أعلم
تعليق