الحمد لله.
ما هو القدر؟
القَدَر: تقدير الله تعالى لكل ما يقع في الكون، حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته.
معنى الإيمان بالقدر
والإيمان بالقدر يتضمن أربعة أمور:
- الأول: الإيمان بأن الله تعالى علم بكل شيء جملةً وتفصيلاً، أزلاً وأبداً، سواء كان مما يتعلق بأفعاله سبحانه أو بأفعال عباده.
- الثاني: الإيمان بأن الله تعالى كتب ذلك في اللوح المحفوظ.
وفي هذين الأمرين يقول الله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ الحج/70.
وفي صحيح مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: رَبِّ، وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُرواه أبو داود (4700). وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
- الثالث: الإيمان بأن جميع الكائنات لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى. سواء كانت مما يتعلق بفعله سبحانه وتعالى، أم مما يتعلق بفعل المخلوقين.
قـال الله تعالى فيما يتعلق بفعله: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ القصص /68. وقـال: وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُابراهيم /27. وقال: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ آل عمران /6.
وقال تعالى فيما يتعلق بفعل المخلوقين: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ النساء /90. وقال: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ الأنعام /112.
فجميع الحوادث والأفعال والكائنات لا تقع إلا بمشيئة الله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
- الرابع: الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله تعالى بذواتها، وصفاتها، وحركاتها.
قـال الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ الزمر /62. وقال: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً الفرقان /2. وقال عن نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ الصافات /96.
فإذا آمن الإنسان بهذه الأمور فقد آمن بالقدر إيماناً صحيحاً.
هل الإيمان بالقدر ينافي أن يكون للعبد مشيئة؟
والإيمان بالقدر على ما وصفنا لا ينافي أن يكون للعبد مشيئة في أفعاله الاختيارية وقدرة عليها، بحيث يستطيع الاختيار هل يفعل أو يترك ما يكون ممكناً له من فعل الطاعات أو تركها، وفعل المعاصي أو تركها والشرع والواقع دالان على إثبات هذه المشيئة للعبد.
- أمـا الشرع: فقد قـال الله تعالى في المشيئة: ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً النبأ /39.
وقال: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ البقرة /223.
وقال في القدرة: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن /16. وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ البقرة /286.
فهذه الآيات تثبت للإنسان مشيئة وقدرة بهما يفعل ما يشاء أو يتركه.
- وأما الواقع: فإن كل إنسان يعلم أن له مشيئة وقدرة بهما يفعل وبهما يترك، ويفرق بين ما يقع بإرادته كالمشي، وما يقع بغير إرادته كالارتعاش، لكن مشيئة العبد وقدرته واقعتان بمشيئة الله تعالى وقدرته، لقول الله تعالى: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ التكوير /28-29.
ولأن الكون كله ملك لله تعالى فلا يكون في ملكه شيء بدون علمه ومشيئته. انظر: رسالة شرح أصول الإيمان للشيخ ابن عثيمين.
والله تعالى أعلم.
تعليق