الحمد لله.
ثانيا :
ليس للأب أن يمنع ابنه من الزواج بامرأة مرضية خلقا ودينا ، إذا هويها ابنه وتعلق
بها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لا يجوز للأب أن يكره ابنه أن يتزوج بامرأة لا يريدها أو أن يمنعه من التزوج
بامرأة يريدها إذا كانت ذات خلق ودين ، ولا يلزم الابن أن يطيع والده في ذلك ، وله
أن يتزوج من يريد أو من يرغب في زواجها ، ولا يعد ذلك عقوقاً لوالده " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" - لابن عثيمين (10/50)
وقال علماء اللجنة :
" طاعتهما في الزواج من امرأة معينة والابن لا يريدها لا تجب ؛ لأنه إن أطاعهما
فيخشى من تعثر الزواج ، وعدم الألفة وحصول الطلاق ، لكن يجب على الابن في جميع
الأحوال مراعاة خاطرهما بالأساليب الحسنة ، التي تطمئن قلبيهما ، ويجتنب مصادمتهما
برأيه ، ويحذر الأساليب الجافية ، مع مضى الابن فيما يراه من مصلحة راجحة ؛ لأنه
أدرى بأمره وخاصة نفسه " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19 /135)
ثالثا :
إذا كان مشروع الزواج من امرأة بعينها تحيط به المشكلات مبكرا ، وتظهر عليه علامات
التعكير والقلق ، وعدم الرضا المتبادل بين الأسرتين ، فالذي ينبغي على الابن العاقل
أن يتأنى ، ولا يقدم على هذا الزواج حتى يَرضى والداه ، ويتبين أن المصلحة في إتمام
ما شرع فيه ؛ فإن أصرا على الرفض ، فالذي نراه تركه وعدم إتمامه ، طواعيةً لأبيه
وأمه ، ورغبة في برهما وعدم عصيانهما ، خاصة إذا كانت هناك مبررات ملموسة ، تدعو
إلى عدم الارتياح أو الاطمئنان .
وينبغي أن يفرق هنا بين أن تكون هذه المرأة زوجته فعلا ، وقد دخل بها ، أو له منها
أولاد ، وأهله لا يقبلونها ، فهنا يقدم مصلحة صيانة هذا البيت ، والحرص على إقامة
النكاح ، إلا لأمر شديد يدعو إلى التفريق بينهما .
ويختلف هذا أيضا عمن يريد أهله إجباره على الزواج بفتاة معينة لا يريدها هو ؛ فهنا
لا طاعة لهما في ذلك ، ولا وجه لتعنتهما فيه ، لأن مفاسد ذلك لا تخفى على أحد .
وأما مجرد الإقدام على خطبة فتاة ، فليس بالأمر الخطير ، والنساء سواها كثير ، ومن
الممكن أن تنفسخ هذه الخطبة لأسباب كثيرة ، فتقديم طاعة الوالدين في مثل هذه الحال
مما يليق بالعاقل صاحب الدين أن يختاره ويتمسك به .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
أريد أن أتزوج ثيباً ، ووالدي موافق على ذلك ، والبنت وأهلها موافقون أيضاً على
زواجي منها ، إلا أن والدتي غير موافقة ولا ترضى بذلك ؛ هل أتزوج هذه المرأة دون
النظر إلى رضاء أمي أم لا ؟ وهل إذا تزوجتها أكون عاقا لوالدتي ؟
فأجاب : " حق الوالدة عظيم ، وبرها من أهم الواجبات ، فالذي أنصحك به أن لا تتزوج
امرأة لا ترضاها والدتك ، لأن الوالدة من أنصح الناس لك ، ولعلها تعلم منها أخلاقاً
تضرك .
والنساء سواها كثير وقد قال الله سبحانه ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من
حيث لا يحتسب ) .
ولا شك أن بر الوالدة من التقوى ، إلا أن تكون الوالدة ليست من أهل الدين ،
والمخطوبة من أهل الدين والتقوى ، فإن كان الواقع هو ما ذكرنا فلا تلزمك طاعة أمك
في ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة في المعروف ) " انتهى .
"فتاوى إسلامية" (4 /239)
وسئل الشيخ صالح الفوزان :
أنا شاب أريد أن أتزوج وقد خطبت فتاة من خارج أسرتنا ، فأخبرت والدي وأمي بذلك ،
فرفضا هذا الزواج ، وأنا مصر على الزواج من هذه الفتاة ، ولكن والدتي قالت لي : إن
تزوجت هذه الفتاة؛ لن أسامحك لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا تواصلنا أبدًا !
وكذلك بقية إخوتي ووالدي كذلك رفضوا ، وأنا لا أدري لماذا رفضوا زواجي منها ؟ فلم
يظهر لي منها ما يمنع ، وأنا على إصرار شديد . فهل عليَّ إثم إن تزوجتها ، أو يعتبر
هذا عقوقًا وعصيانًا لوالدتي ؟
فأجاب : " مادام أنه قد أجمع والداك وإخوتك على منع التزوج من هذه الفتاة ، وهم من
أنصح الناس لك ، وأرفق الناس بك ، فلولا أنهم يعلمون منها شيئًا لا يناسب لما منعوك
من زواجها ، خصوصًا الوالدين وشفقة الوالدين وحرصهما على ولدهما ؛ فلا ينبغي لك أن
تتزوج هذه المرأة ، وقد حذروك منها ونصحوك بالامتناع من الزواج بها ، والنساء
كثيرات ، ومن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه . فطاعة والديك وإخوتك خيرٌ لك "
انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (55 /6)
وإذا قدرنا أن الأب كان مخطئا في رفضه لهذا الزواج ،
فإن هجران الولد لبيت أبيه ، وترك مكالمته هو عقوق ، لا شك فيه ، وقطيعة يأثم بها ،
فلا أقطيعة أشنع ولا أفظع من قطيعة الوالدين ؛ هذا إذا افترضنا أن الأب مخطئ ، أما
لو كان مصيبا فالأمر بين ، لا يحتاج إلى كلام .
راجع إجابة السؤال رقم (112434)
، (128362)
والله أعلم .