الحمد لله.
ثانيا : أن يقال : إن أمره
صلى الله عليه وسلم بالكتمان ليس المقصود به الكتمان المطلق المؤبد ، بل هو كتمان
في زمان معين , ولم يستمر هذا الكتمان ، بدليل أن معاذا قد أخبر بهذا الحديث قبل
موته , فقد جاء في نهاية هذا الحديث : " وأخبر بها معاذ عند موته تأثما" رواه
البخاري (128) , ومسلم (53) .
جاء في " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 93) : " أي تجنباً وتحرزاً عن
الوقوع في إثم كتمان العلم " انتهى , وهذا ظاهر في أن معاذا رضي الله عنه لم يفهم
المنع المطلق عن نشر هذا الحديث وتبليغه ، إنما فهم أن ذلك المنع مقيد بحال ، أو
شخص ، أو وقت ، أو قيد ما ، ورأى أن هذا القيد قد فات ، وأن التشريع قد استقر ،
واستمر شأن الناس عليه ، ولم يَخش عليهم تلك المفسدة .
جاء في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 98) : " إنما رواه معاذ مع كونه
منهيا عنه ؛ لأنه علم منه : أن هذا الإخبار يتغير بتغير الزمان والأحوال , والقوم
يومئذ كانوا حديثي العهد بالإسلام لم يعتادوا تكاليفه ، فلما تثبتوا واستقاموا
أخبرهم " انتهى .
ثالثا: يحتمل أن النهي عن
التبشير بذلك لم يكن لكل الناس بل كان خاصا بمن يخشى منه الاتكال وترك العمل ,
وعليه فيكون معاذ - رضي الله عنه - قد أخبر بالحديث قبل موته وخص بذلك من لا يخشى
منهم الاتكال كما خصه رسول الله بذلك .
جاء في " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 93) : " سَلَّمْنا أنه تأثم من
الكتمان ، فكيف لا يتأثم من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التبشير؟ أجيب
: بأن النهي كان مقيداً بالاتكال ، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك ، وإذا زال القيد
زال المقيد " انتهى .
وعليه فلا تعارض بين الآية
الكريمة والحديث الشريف .
والله أعلم .