أرجو التوضيح في تفسير الآية. هل معنى النعجة هي الزوجة أو النعجة من الحيوانات؟ لأني قرأت في تفسير السعدي أن المعنى هي الزوجة. إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص: 23] فقال أحدهما: [ إِنَّ هَذَا أَخِي ] نص على الأخوة في الدين أو النسب أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، وأن بغيه الصادر منه أعظم من غيره. [لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً] أي: زوجة، وذلك خير كثير، يوجب عليه القناعة بما آتاه اللّه. [وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ] فطمع فيها [فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا] أي: دعها لي، وخلها في كفالتي. [وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ] أي: غلبني في القول، فلم يزل بي حتى أدركها أو كاد. وكذلك في تفسير الطبري والقرطبي أن النعجة هي الزوجة. جزاكم الله كل الخير لخدمة الاسلام والمسلمين.
الحمد لله.
أولًا:
أهل الإسلام يوقرون الأنبياء والمرسلين ويثبتون لهم كمال الأخلاق، وقد عصمهم ربهم عز وجل من فعل الكبائر، ولا خلاف بين علماء الإسلام في هذا.
قال ابن عطية الأندلسي: "وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ، ومن الكبائر، ومن الصغائر التي فيها رذيلة." انتهى من "المحرر الوجيز" (1/ 221).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر: هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول الأشعرية، وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول." انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/ 319).
ثانيًا:
الأصل أنه يجوز التحديث عن بني إسرائيل، ونقل علومهم، وما نقلوه بشروط معروفة لدى أهل التفسير.
ومن هذه الشروط:
أن يحتمله ظاهر لفظ الآية، بمعنى: ألا يوجد في تركيب الآية ما يعارضه.
ألا يعارض نصًا شرعيًا.
أن يكون ممكنًا عقلًا.
والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنَّا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقًا لم تكذبوهم، وإن كان باطلًا لم تصدقوهم رواه أحمد (17225)، وأبو داود (3644).
وعن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار رواه البخاري (3461)، ومسلم (3004).
قال الشافعي: "أباح الحديث عن بني إسرائيل عن كل أحد، وأنه من سمع منهم شيئًا جاز له أن يحدث به عن كل من سمعه منه كائنًا من كان، وأن يخبر عنهم بما بلغه، لأنه والله أعلم ليس في الحديث عنهم ما يقدح في الشريعة، ولا يوجب فيها حكمًا، وقد كانت فيهم الأعاجيب فهي التي يحدث بها عنهم، لا شيء من أمور الديانة." انتهى من "التمهيد لابن عبد البر" (1/ 43).
ثالثًا:
وردت عدة روايات في شأن قصة داود عليه السلام، لكنَّ هذه الروايات فيها ما فيها مما لا يليق نسبته لنبي من أنبياء الله تعالى، بل فيها من البهتان والكذب ما ننزه نبي الله داود عنه، وقد تحدثنا عنها في الجواب رقم (169318).
وقال ابن كثير في "تفسيره" (7/ 60): "قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه. ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثًا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس، ويزيد وإن كان من الصالحين، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة، فالأولى أن يُقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يرد علمها إلى الله عز وجل؛ فإن القرآن حق، وما تضمن فهو حق أيضًا."
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "واعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة، مما لا يليق بمنصب داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معوّل عليه، وما جاء منه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح منه شيء." انتهى من "أضواء البيان" (6/ 339).
غير أنَّا لو تعاملنا مع "أصل القصة، وأنه عليه السلام أراد أن تكون هذه المرأة زوجةً له، وأنه تمنى أن لو قُتِلَ زوجها في سبيل الله، ولكن الله لم يقدِّر له الموت، كما هو ظاهر الرواية عن ابن عباس، فأرسل الله له الملائكة على صورة المختصمين في أمر النِّعاج - وهي إشارة للزوجات - ليُبَيِّنوا له ما وقع فيه من الخطأ.
وهذا القدر يدخل في النطاق البشري، ولا يوجد ما يمنع وقوعه من النبي... وقد يكون هذا الأمر مما يجوز في شريعتهم، فالشرائع تختلف.
وداود عليه السلام لم يقتله، ولا أمر بذلك، وإنما كان هو في الغزو، والغزاة إنما يذهبون للجهاد، وهم متيقنون بالموت.
والموت في سبيل الله شرف يطلبه كل مسلم، فقدَّمه لذلك الشرف، حرصًا منه على هذه المرأة، فكان في ذلك الخطأ، والله أعلم.
ولقد كان داود غنيًا عن مثلها، لكن الله ابتلاه، ولله أن يبتلي عباده بما شاء، فأي مانع من أن تكون البلوى على هذه الصورة؟
هذا، والله أعلم بما كان." انتهى من "بحوث محكمة" (249 - 269)، للدكتور مساعد الطيار، حفظه الله. وقد درس هذه القصة، وما قيل حولها في كتابه هذا، فمن أراد التوسع في الكلام حولها، فليراجعه.
والله أعلم.