الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

نصراني يسأل عن تحريم الخمر

12564

تاريخ النشر : 05-04-2004

المشاهدات : 20308

السؤال

لماذا يحرم الإسلام الخمر ، بينما هو يبشر أهل الجنة بأن لهم خمرا فيها ؟.

الجواب

الحمد لله.

قد سبق لنا بيان بعض المفاسد المترتبة على شرب الخمر ، والتي من أجلها حرمت في دين الله تحريما قطعيا . [ راجع مثلا السؤال رقم 40882 ] .

غير أن السائل ، هدانا الله وإياه للعلم الحق واتباعه ، يظن أن تحريم الخمر في الدنيا ، ثم وعد المؤمنين ، والإنعام عليهم بها في الجنة ، تناقض في شرع الله ، أو لعله ، في أحسن أحواله يستشكل ذلك .

أما التناقض فمعاذ الله أن يقع في كتابه أو شرعه شيء منه ، وهو العلم الحكيم الخبير ، وإنما يأتي التناقض من عند غيره سبحانه . قال الله تعالى : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) النساء/82

يأتي التناقض من أيدي البشر ، إذا تجرؤا على اللفظ المنزل ، ومن أفهامهم حين تضل عن المعنى المراد أو وجه الحكمة :

وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم

فأما كتاب الله فهو محفوظ بحفظه سبحانه : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9

وأما غيره من الكتب فلم يتكفل الله بحفظه ، وإنما أمر أهله بذلك الحفظ ؛ فبدلوا وغيروا ، بحيث لم يبق أحد يشك في تبديلها عن الصورة التي أنزلها الله بها ، بل كل من له أدنى معرفة من أهلها لا يدعي أنها هكذا نزلت من عند الله ، ولا هكذا بلغها المسيح في حياته . [ راجع السؤال رقم 47516 ] .

فلنعد الآن إلى السؤال ، أو فلنعد قبله للسائل ؛ لنقول له :

هل أنت معترض على تحريم الخمر في الدنيا ، وتريدها حلالا ، كما أنها في الجنة نعيم لأهلها ؟!

فحينئذ يعود السؤال إليك أيها السائل ، لنقول :

ألم تكن الخمر محرمة في كتابكم المقدس ، وتكرر ذلك في العهد القديم الذي تؤمنون به ؟

فإن كنت لم تعلم بذلك من قبل ، فاسمع :

( ويل للأبطال على شرب الخمر ، ولذوي القدرة على مزج السُّكْر ) أشعياء 5/22 ]

( لا تكن بين شريبي الخمر ، بين المتلفين أجسادهم ، لأن السكير والمسرف يفتقران ) الأمثال 23/20-21 ]

وكلم الرب هارون قائلا : خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع ، لكي لا تموتوا فرضا دهريا في أجيالكم ، وللتمييز بين المقدس والمحلل ، وبين النجس والطاهر

[ اللاويين 10/8-10 } .

وهذه إشارة تدل العاقل فقط ، وأما استيعاب ذلك فلا يسعه المقام .

بل حتى في العهد الجديد من كتابكم المقدس ، قد بقي ما يدل على ذلك :

وأما الآن فكتبت إليكم : إن كان أحد مدعوا أخا زانيا أو طماعا أو عابد وثن أو شتاما أو سكيرا أو خاطفا ، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا [ رسالة بولس الأول إلى أهل كورنثوس 5/11 ] .

لا تضلوا ؛ لا زناة ، ولا عبدة أوثان ، ولا مأبونون ، ولا مضاجعو ذكور ، ولا سارقون ، ولا طماعون ، ولا سكيرون ، ولا شتامون ، ولا خاطفون يرثون ملكوت الله [ إصحاح 6/9 ، 10 ]

لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة ، بل امتلئوا بالروح [ إصحاح 5/18 ] .

وأمثال هذا كثير أيضا .

( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الرحمن/13

فإن زعمت ، وهكذا تزعمون ، أن تحريمها نسخ ، وأنها صارت حلالا لكم ، فما تنكر أن ينسخ القرآن هذا التحليل ، ويحرمها الله على الناس في الدنيا ؟!

أو أنت معترض على أنها صارت نعيما في الآخرة ، بعد تحريمها في الدنيا ، فتريدها حراما في الدارين ؟!

وحينئذ يبقى السؤال عليك أيضا :

إذا قبلتم أن ينسخ تحريم الخمر في الدنيا ، فصارت حلالا ـ بزعمكم ـ أليس من الأولى أن تقبلوا ذلك في الآخرة ، وهذا مع أن الآخرة ليست دارا للتكليف ، وإنما هي دار نعيم لأهل الجنة ، وعذاب الجحيم لأهل النار ؟!

على أن هذه الأجوبة إنما هي جدال للمعترض ، لنبين له أنه لم ينصف خصمه حين اعترض عليه ، ولم يفكر فيما عنده .

وأما إن كان السائل يطلب معرفة الحق محضا ، فأمر الحق أسهل من ذلك ، فإن على الحق نورا ، وحينئذ يقال له :

إن الله تعالى إنما حرم الخمر لأنها رجس خبيث من عمل الشيطان ، تذهب عقل شاربها ، فتشغله عن طاعة الله تعالى ، وتوقعه في معصيته ، وتورث العداوات والضغائن في قلوب المؤمنين ، قال الله تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) المائدة

قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ ) صحيح مسلم 2003

وهكذا هو الحديث عنها في كتابكم المقدس :

وكلم الرب هارون قائلا : خمرا ومسكرا لا تشرب ... للتمييز بين المقدس والمحلل ، وبين النجس والطاهر [ اللاويين 10/8-10 } .

وأما خمر الآخرة فهي لذة خالصة من كل قذر ونجس في خمر الدنيا ، فالجنة دار الطيبين ، وما فيها إلا طيب ؛ قال ربنا سبحانه : ( يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ(45)بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ(46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ) سورة الصافات ، فلا تغتال عقولهم فتخلبها وتتلفها ، وتصدع لهم رؤوسهم ، ولا تتلف لهم أموالهم .

خمر الآخرة لا تشبه خمر الدنيا إلا في اسمها ، وأما حقيقتها فذلك : ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قال ربنا عز وجل : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة/17

وحُق لمن تدنس بخمر الدنيا أن يحرم من خمر الآخرة ؛َ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ، فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ ) صحيح مسلم 2003 .

نسأل الله أن يهديك إلى اتباع الحق ، وترك اللجج والمراء ؟!

والله الموفق ، لا رب سواه .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب