الحمد لله.
أولا :
البركة في ماء زمزم بركة أودعها الله عز وجل في الماء ذاته أينما كان ، وليست متعلقة فقط في مكان زمزم أو زمان شربه أيام الحج والعمرة ، فقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم نفسها بقوله : ( إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ ) رواه مسلم (2473)، وفي رواية البزار والطبراني والبيهقي وغيرهم زيادة : ( وشفاء سقم ): انظر: " السنن الكبرى " (5/147).
وظاهر الأدلة ، إن شاء الله ، أن هذه البركة عامة لكل ماء زمزم ، سواء الموجود منه في مكة ، أو المحمول منه إلى غيرها من البلدان ، ولذلك نص غير واحد من أهل العلم على مشروعية نقل ماء زمزم خارج مكة ، وبقاء بركته وخاصيته حتى بعد نقله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَمَنْ حَمَلَ شَيْئًا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ جَاز فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَحْمِلُونَهُ " .
وقال الصاوي المالكي رحمه الله :
" ( ونُدب نقله – يعني ماء زمزم – ) وخاصيته باقية خلافا لمن يزعم زوال خاصيته " انتهى.
" حاشية الصاوي على الشرح الصغير " (2/44)، ونحوه في " منح الجليل شرح مختصر خليل " (2/273)
وقال الشيخ علي الشبراملسي الشافعي رحمه الله :
" ( قوله : ماء زمزم لما شرب له ) هو شامل لمن شربه في غير محله " انتهى.
" حاشية نهاية المحتاج " (3/318).
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في " تحفة المحتاج " (4/144) : " وأن ينقله إلى وطنه استشفاء وتبركا له ولغيره " انتهى.
وقال السخاوي رحمه الله :
" يذكر على بعض الألسنة أن فضيلته مادام في محله ، فإذا نقل يتغير . وهو شيء لا أصل له ؛ فقد كتب [ صلى الله عليه وسلم ] إلى سهيل بن عمرو : ( إن وصل كتابي ليلا : فلا تصبحن ، أو نهارا : فلا تمسين ، حتى تبعث إلي بماء زمزم ) .
وفيه أنه بعث له مزادتين وكان حينئذ بالمدينة قبل أن يفتح مكة .
وهو حديث حسن لشواهده ، وكذا كانت عائشة رضي الله عنها تحمل وتخبر أنه كان يفعله ، وأنه كان يحمله في الأداوي والقرب ، فيصب منه على المرضى ويسقيهم ، وكان ابن عباس إذا نزل به ضيف أتحفه بماء زمزم . وسئل عطاء عن حمله فقال قد حمله النبي والحسن والحسين رضي الله عنهما .
وتكلمت على هذا في الأمالي . " انتهى .
المقاصد الحسنة ، للسخاوي (1/569) .
بل قال الملا علي القاري ، رحمه الله :
" وأما نقل ماء زمزم للتبرك به فمندوب اتفاقا " . انتهى .
مرقاة المفاتيح (9/194) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي :
" هل يشترط أن يكون الشرب في مكة – يعني لماء زمزم كي تتحقق بركته - ؟
فأجاب :
" لا يشترط ، ولهذا كان بعض السلف يأمر مَنْ يأتي به إليه في بلده فيشرب منه ، وهو أيضاً ظاهر الحديث ( ماء زمزم لما شرب له ) ، ولم يقيده النبي صلى الله عليه وسلم بكونه في مكة " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " ( شروح الحديث والحكم عليها )
وقال أيضا رحمه الله :
" ظاهر الأدلة أن ماء زمزم مفيد سواء كان في مكة أم في غيرها ، فعموم الحديث الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله : ( ماء زمزم لما شرب له ) يشمل ما إذا شرب في مكة أو شرب خارج مكة ، وكان بعض السلف يتزودون بماء زمزم يحملونه إلى بلادهم " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (فتاوى الحج والجهاد/باب محظورات الإحرام)
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (1/298) :
" أما ما ذكرت عن ماء زمزم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ماء زمزم لما شرب له ) فقد رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو حديث حسن ، وهو أيضا عام ، وأصح منه قول النبي صلى الله عليه وسلم في ماء زمزم : ( إنها مباركة ، وإنها طعام طعم وشفاء سقم ) رواه مسلم وأبو داود وهذا لفظ أبي داود – يعني الطيالسي - فإذا أردت منه شيئا أمكنك أن توصي من يحج من بلدك ليأتي بشيء منه في عودته من حجه " انتهى.
وانظر " الموسوعة الفقهية " (24/14) .
ولعل الشيخ الألباني رحمه الله ، قد تراجع عن المنع من حمل ماء زمزم ، والتبرك به خارج مكة ، أو ـ على أقل تقدير ـ نقول : إن له قولا آخر في المسألة ، يوافق ما نقلناه هنا من كلام أهل العلم .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" وله [ أي : للحاج والمعتمر ] : أن يحمل معه من ماء زمزم ما تيسر له تبركا به ؛ فقد : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمله معه في الأداوي والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم ) [ قال الشيخ في تخريج ذلك : أخرجه البخاري في ( التاريخ ) والترمذي وحسنه من حديث عائشة رضي الله عنها وهو مخرج في ( الأحاديث الصحيحة ) ( 883 ) ] بل إنه : ( كان يرسل وهو بالمدينة قبل أن تفتح مكة إلى سهيل بن عمرو : أن أهد لنا من ماء زمزم ولا تترك فيبعث إليه بمزادتين ) [ قال في تخريجه : أخرجه البيهقي بإسناد جيد عن جابر رضي الله عنه . وله شاهد مرسل صحيح في ( مصنف عبد الرزاق ) ( 9127 ) وذكر ابن تيمية أن السلف كانوا يحملونه ] " .
مناسك الحج والعمرة (42) ، وقرر نحوا من ذلك في السلسلة الصحيحة ، رقم (883) ، تحت عنوان : " حمل ماء زمزم ، والتبرك به " . (2/543) .
والله أعلم .
تعليق