الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

ترك الزّواج استحياء من النّساء وإزالة الشّهوة الجنسيّة

127165

تاريخ النشر : 28-06-2009

المشاهدات : 35048

السؤال

أنا شاب عمري 18 سنة ، لا أريد أن أتزوّج لأنّني خجول جدّا جدّا ، وقد تعقدت من النّساء أخجل منهنّ بشكل رهيب جدّا ، وأريد أن أزيل الشّهوة الجنسيّة سواء بعمليّة جراحيّة أيضا، أنا أقسمت بالله أن لا أتزوّج هل عليّ إثم إذا لم أتزوّج؟

الجواب

الحمد لله.

أوّلاً :

طوبى لك على ما رزقك الله به من هذه الخصلة الحميدة والصّفة الجليلة التي حثّ الشّرع المطهّر على التّحلّي بها، فقد ورد في فضل الحياء أحاديث كثيرة منها : ما رواه عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (دَعْهُ ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ) رواه البخاريّ (24) ومسلم (36) .

قال الشّيخ محمّد بن صالح العثيمين رحمه الله في "شرح رياض الصالحين" (4/29 – 30) : "الحياء : انكسار يكون في القلب ، وخجل لفعل ما لا يهتمّ به النّاس ، أو ما لا يستحسنه النّاس.

الحياء من الله والحياء من الخلق من الإيمان ، الحياء من الله يوجب للعبد أن يقوم بطاعة الله ، وأن ينتهي عمّا نهى الله ، والحياء من النّاس يوجب للعبد أن يستعمل المروءة ، وأن يفعل ما يجمّله ويزيّنه عند النّاس ، ويتجنّب ما يدنّسه ويشينه ، فالحياء من الإيمان" انتهى .

ومع فضيلة الحياء وأهمّيته ، فلا ينبغي أن يكون سببا لترك ما أمر به الإسلام ودعا إليه ؛ لأنّ الحياء إنّما يطلب ويُحمد إذا كان معينا على امتثال أوامر الله ورسوله ، قال الشّيخ عبد الرّحمن السّعديّ رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) الأحزاب/54 :

"فالأمر الشّرعيّ ، ولو كان يُتَوَهَّم أنّ في تركه أدبًا وحياء ، فإنّ الحزم كلّ الحزم اتّباع الأمر الشّرعيّ ، وأن يَجزم أنّ ما خالفه ليس من الأدب في شيء" انتهى . تيسير الكريم الرّحمن (ص 670) .

والانصراف عن الزّواج بالكلّيّة والرّغبة عنه خلاف السّنّة ، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك ، فقد روى البخاري (5063) ومسلم (1401) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ! قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ . وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ، أَمَا وَاللَّهِ ، إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) .

فالنكاح لا ينافى كمال الحياء ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياءً ، ومع ذلك فقد تزوج صلى الله عليه وسلم .

وروى البخاري (5074) ومسلم (1402) عن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قال : (رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاخْتَصَيْنَا) .

فلا يجوز إزالة الشهوة سواء كان ذلك بعملية جراحية أو غيرها .

قال في "الفواكه الدواني" (1/137): "وأما لو استعملت دواء لقطعه (الحيض) أصلا فلا يجوز لها حيث كان يترتب عليه قطع النسل، كما لا يجوز للرجل استعمال ما يقطع نسله أو يقلله" انتهى .

وورد سؤال إلى اللّجنة الدّائمة للبحوث العلميّة والإفتاء عن حكم إجراء عمليّة خصي لقطع الشّهوة ، فأجابت :

"لا يجوز لك الإقدام على إجراء عمليّة لقطع الخصيتين ؛ لنهي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عثمان بن مظعون عن الاختصاء" انتهى .

فتاوى اللّجنة الدّائمة (18/34) .

وسبق بيان حكم من حرّم النّكاح على نفسه في جواب السؤال رقم (87998) .

ثانياً :

أما اليمين التي حلفتها ، فقد حلفت على ترك السّنّة والخير ، فالمطلوب منك أن تكفر عن يمينك كفارة يمين ، وتتزوج متى يسر الله لك الزواج ؛ لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه : (وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ، فَكَفِّرْ عَنْ َيمِينِكَ وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) رواه البخاري (6722) ومسلم (1652) .

وكفارة اليمين هي : عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله ، أو كسوتهم ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام . وقد سبق بيانها تفصيلا في جواب السؤال رقم (45676) .

ثالثاً :

أما حكم ترك الزّواج ، فإنّ الزّواج يختلف حكمه بحسب الإنسان وقدرته المادية والبدنية ، ومدى احتياجه له ، فتارة يجب ، وتارة يستحب ، وتارة يكره ، وانظر جواب السؤال رقم (36486) .

فالنّصيحة لك أن تصبر ولا تستعجل وتقطع بأنّك لا تستطيع الزّواج ، فإنّ لعامل السّنّ تأثيرا كبيرًا فيما أنت فيه من شدّة الحياء ، ومع تقدّم السّنّ فإنّه ستخفّ هذه الشّدّة ويكون الأمر في حدود المعتاد ، واجتهد أيضا في الدّعاء والتّضرّع إلى الله أن يخفّف عنك ، وأن يوفّقك للزّواج السّعيد ، ويحسن أيضا لعلاج هذا الأمر استشارة أهل الخبرة والاستفادة من تجاربهم ونصائحهم وإرشاداتهم .

نسأل الله عزّ وجل أن ييسّر أمرك ويوفّقك لكلّ خير .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب