الاثنين 3 جمادى الأولى 1446 - 4 نوفمبر 2024
العربية

عاشوراء في الإسلام والأديان السابقة

السؤال

هل يوم عاشوراء الذي نصومه ليس اليوم الصحيح ؟ لأنني قرأت أن اليوم الصحيح هو اليوم العاشر من شهر تشري حسب التقويم العبراني، وأن خلفاء بني أمية هم من غيَّروه إلى اليوم العاشر من شهر محرم - شهر تشري هو الشهر الأول حسب تقويم اليهود

ملخص الجواب

صيام عاشوراء الذي نصومه في العاشر من شهر محرَّم هو اليوم الذي نجَّى الله تعالى فيه موسى عليه السلام، وهو اليوم الذي كان قد صامه طائفة من يهود في المدينة لأجل ذلك، وهو اليوم الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصومه أولَ الأمر، ثم نُسخ الوجوب بفرض صيام رمضان، وصار صيام عاشوراء على الاستحباب. ودعوى أن بعض خلفاء بني أمية هم الذين جعلوه في محرَّم: دعوى رافضية، وهي جزء من سلسلة أكاذيبهم، التي بنوا عليها دينهم، وجزء من عقديتهم في نسبة كل شرٍّ لخلفاء بني أمية، ولعصرهم، ولو أراد الأمويون وضع الأحاديث المكذوبة، ونسبتها للشرع المطهر: لوضعوا أحاديث في أن يكون يوم عاشوراء عيداً ! وليس يوم صيام، يَمنع الإنسان نفسه عن الأكل، والشرب، والجماع، فالصيام عبادة إمساك عن مباحات، والعيد للفرح في تناولها وفعلها.

الحمد لله.

تاريخ صيام عاشوراء

صيام عاشوراء الذي نصومه في العاشر من شهر محرَّم هو اليوم الذي نجَّى الله تعالى فيه موسى عليه السلام، وهو اليوم الذي كان قد صامه طائفة من يهود في المدينة لأجل ذلك، وهو اليوم الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصومه أولَ الأمر، ثم نُسخ الوجوب بفرض صيام رمضان، وصار صيام عاشوراء على الاستحباب.

ودعوى أن بعض خلفاء بني أمية هم الذين جعلوه في محرَّم: دعوى رافضية، وهي جزء من سلسلة أكاذيبهم، التي بنوا عليها دينهم، وجزء من عقديتهم في نسبة كل شرٍّ لخلفاء بني أمية، ولعصرهم، ولو أراد الأمويون وضع الأحاديث المكذوبة، ونسبتها للشرع المطهر: لوضعوا أحاديث في أن يكون يوم عاشوراء عيداً ! وليس يوم صيام، يَمنع الإنسان نفسه عن الأكل، والشرب، والجماع، فالصيام عبادة إمساك عن مباحات، والعيد للفرح في تناولها وفعلها.

متى علم النبي ﷺ بصوم اليهود لعاشوراء؟

لا شك أن مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجراً كان في ربيع أول، ولم يكن في محرَّم، وقد رأى طائفة من اليهود يصومون، ولما سألهم عن صيامهم هذا قالوا: إنه يومٌ نجَّى الله فيه موسى ومن معه من الغرق، فنحن نصومه شكراً لله.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ فَقَالَ: أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه البخاري (3216).

فهل كانت هذه الرؤية لليهود أول قدومه المدينة في ربيع الأول أم بعدها في شهر "محرَّم"؟

قولان لأهل العلم، والراجح: أن تلك الرؤية، وذلك الحوار، وهذا الأمر بالصيام: كان في شهر الله المحرَّم، أي: في العام الثاني من مقدمه صلى الله عليه وسلم، ويكون اعتماد اليهود – على هذا – على الأشهر القمرية في الحساب.

قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله -:

وقد استشكل بعضُ الناس هذا، وقال: إنما قَدِمَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينةَ في شهر ربيع الأول، فكيف يقولُ ابن عباس: إنه قدم المدينة، فوجد اليهود صُيَّاماً يومَ عاشوراء؟

وقال – رحمه الله -:

أما الإشكالُ الأول: وهو أنَّه لما قَدِمَ المدينة وجدهم يصُومون يومَ عاشوراء: فليس فيه أن يومَ قدومِه وجدَهم يصومُونه، فإنه إنما قَدِمَ يومَ الاثنين فى ربيع الأول ثاني عشرة، ولكن أول علمه بذلك بوقوع القصة فى العام الثاني الذي كان بعد قدومه المدينة، ولم يكن وهو بمكة، هذا إن كان حسابُ أهل الكتاب فى صومه بالأشهر الهلالية. "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2 / 66).

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:

وقد استُشكل ظاهر الخبر؛ لا قتضائه أنه صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صيَّاماً يوم عاشوراء، وإنما قدم المدينة في "ربيع الأول"، والجواب عن ذلك: أن المراد: أن أول علمه بذلك، وسؤاله عنه: كان بعد أن قدم المدينة، لا أنه قبل أن يقدمها علمَ ذلك، وغايته: أن في الكلام حذفاً تقديره: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ فأقام إلى يوم عاشوراء، فوجد اليهود فيه صيَّاماً. "فتح الباري" (4 / 247).

هل كان حساب اليهود لصومهم عاشوراء بالأشهر القمرية أم بالشمسية؟

أما إن قلنا كان حسابهم بالقمرية – كما سبق -: فلا إشكال، حيث العاشر من محرَّم لا يتغير كل عام، وأما مع القول بأن الحساب كان بالشمسية: فيكون ثمة إشكال؛ حيث إن هذا اليوم سيتغير كل عام، ولن يكون دائم الثبوت في يوم العاشر من محرَّم.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله ذلك الخلاف، وبيَّن أنه على القول بأن حسابهم كان بالأشهر الشمسية: فتكون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لليهود يصومون ذلك اليوم: هو في ربيع أول، أول مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة، ويكون حسابهم بالشمسي موافقاً لذلك المقدم، وأما حقيقة اليوم الذي نجى الله فيه موسى فهو العاشر من محرَّم، لكن ضبطهم لهم بالشمسي جعلهم يخطؤون في تعيينه.

قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله -:

وإن كان بالشمسية: زال الإشكالُ بالكلية، ويكونُ اليومُ الذى نجَّى الله فيه موسى هو يوم عاشوراء من أول المحرَّم، فضبطه أهلُ الكتاب بالشهور الشمسية، فوافق ذلك مقدَم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة في ربيع الأول، وصومُ أهلِ الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس، وصومُ المسلمين إنما هو بالشَّهر الهلالي، وكذلك حَجُّهم، وجميع ما تُعتبر له الأشهر من واجب، أو مُستحَبٍّ، فقال النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم، فظهر حكمُ هذه الأولوية في تعظيم هذا اليوم، وفي تعيينه، وهم أخطؤوا تعيينه؛ لدورانه في السنة الشمسية، كما أخطأ النصارى فى تعيين صومهم بأن جعلوه فى فصل من السنة تختلِف فيه الأشهر. "زاد المعاد في هدي خير العباد" (2 / 69، 70).

وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا التأويل احتمالاً، وردَّ عليه، وردَّ على ابن القيم ترجيحه له.

قال – رحمه الله -:

قال بعض المتأخرين: يَحتمل أن يكون صيامهم كان على حساب الأشهر الشمسية، فلا يمتنع أن يقع عاشوراء في ربيع الأول، ويرتفع الإشكال بالكلية، هكذا قرره ابن القيم في " الهدي "، قال: " وصيام أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس "، قلت: وما ادَّعاه من رفع الإشكال عجيب؛ لأنه يلزم منه إشكال آخر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين أن يصوموا عاشوراء بالحساب، والمعروف من حال المسلمين في كل عصر في صيام عاشوراء: أنه في " المحرَّم "، لا في غيره من الشهور " نعم وجدت في " الطبراني " بإسناد جيد عن زيد بن ثابت قال: " ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة، وتقلس فيه الحبشة - أي: نلعب بالسيوف ونحوها من آلات الحرب -، وكان يدور في السنَة ! وكان الناس يأتون فلاناً اليهودي يسألونه فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه ".

فعلى هذا: فطريق الجمع أن تقول: كان الأصل فيه ذلك، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء: ردَّه إلى حكم شرعه، وهو الاعتبار بالأهلة، فأخذ أهل الإسلام بذلك، لكن في الذي ادعاه أن أهل الكتاب يبنون صومهم على حساب الشمس: نظر؛ فإن اليهود لا يعتبرون في صومهم إلا بالأهلة، هذا الذي شاهدناه منهم، فيحتمل أن يكون فيهم من كان يعتبر الشهور بحساب الشمس، لكن لا وجود له الآن، كما انقرض الذين أخبر الله عنهم أنهم يقولون " عزير " ابن الله ! تعالى الله عن ذلك. "فتح الباري" (7 / 276)، وينظر أيضاً (4 / 247).

وفي موضع آخر من " فتح الباري " قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على أثر الطبراني:

ظفرتُ بمعناه في كتاب "الآثار القديمة" لأبي الريحان البيروني، فذكر ما حاصله: أن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم، وأعيادهم، حساب النجوم، فالسنَة عندهم شمسية، لا هلالية، قلت: فمِن ثمَّ احتاجوا إلى من يعرف الحساب ليعتمدوا عليه في ذلك. "فتح الباري" (4 / 247، 248).

وأما أثر زيد بن ثابت الذي ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله، وأجاب عنه، فقد تكلم الحافظ ابن رجب رحمه الله من حيث الإسناد والمتن.

قال رحمه الله:

وهذا فيه إشارة إلى أن عاشوراء ليس هو في "المحرَّم"، بل يُحسب بحساب السنَة الشمسية، كحساب أهل الكتاب، وهذا خلاف ما عليه عمل المسلمين قديماً... وابن أبي الزناد لا يُعتمد على ما ينفرد به، قد جعل الحديث كلَّه عن زيد بن ثابت، وآخره لا يصلُح أن يكون من قول زيد، فلعله من قول من دونه، والله أعلم. "لطائف المعارف" (ص 53).

كيف صدَّق النبي صلى الله عليه وسلم اليهودَ في كون يوم عاشوراء هو الذي نجَّى فيه موسى ومن معه؟

 وقد يسأل سائل فيقول: كيف صدَّق النبي صلى الله عليه وسلم اليهودَ في كون يوم عاشوراء هو الذي نجَّى فيه موسى ومن معه؟ وهو ما يسأله الرافضة بخبث ومكر ليتوصلوا به إلى الطعن في أحاديث الترغيب بصيام عاشوراء، ليسلم لهم ادعاؤهم بأن هذا من بدع الأمويين!

قال المازري رحمه الله في ذلك الإشكال وجوابه:

"خبر اليهود غير مقبول؛ فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحى إليه بصدقهم فيما قالوه، أو تواتر عنده النقل بذلك، حتى حصل له العلم به." انتهى. نقله النووي في"شرح مسلم" (8 / 11)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

فإذا كان أصل صومه لم يكن موافقاً لأهل الكتاب: فيكون قوله فنحن أحق بموسى منكم تأكيداً لصومه، وبياناً لليهود أن الذي تفعلونه من موافقة موسى: نحن أيضا نفعله، فنكون أولى بموسى منكم. "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص 174)

كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به

مما ينبغي أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به، ويدخل في ذلك: صيام عاشوراء.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ. رواه البخاري (3728).

ومن فقه الإمام البخاري رحمه الله أنه روى هذا الحديث بعد حديثيْ أبي موسى، وابن عباس رضي الله عنهما في صيام عاشوراء.

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله:

وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم له يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم عليه، كما وافقهم على أنْ حجَّ معهم على ما كانوا يحجُّون - أعني: حجته الأولى التي حجها قبل هجرته، وقبل فرض الحج-؛ إذ كل ذلك فعل خيرٍ.

ويمكن أن يقال: أذن الله تعالى له في صيامه، فلما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه، فسألهم عن الحامل لهم على صومه؟ فقالوا ما ذكره ابن عباس: إنه يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومَه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم؛ فحينئذ صامه بالمدينة، وأمر بصيامه، أي: أوجب صيامه، وأكَّد أمره؛ حتى كانوا يُصوِّمون الصغار، فالتزمه صلى الله عليه وسلم، وألزمه أصحابه، إلى أن فُرض شهرُ رمضان، ونُسخ صومُ يوم عاشوراء، فقال إذ ذاك: إن الله لم يكتب عليكم صيام هذا اليوم، ثم خَيَّر في صومه وفطره، وأبقى عليه الفضيلة بقوله: وأنا صائم، كما جاء في حديث معاوية.

وعلى هذا: فلم يصم النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء اقتداء باليهود؛ فإنه كان يصوم قبل قدومه عليهم، وقبل علمه بحالهم، لكن الذي حدث له عند ذلك إلزامه والتزامه استئلافًا لليهود، واستدراجًا لهم، كما كانت الحكمة في استقباله قبلتهم، وكان هذا الوقت هو الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحبُّ فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم يُنه عنه. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3 / 191، 192).

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:

وعلى كل حال: فلم يصمْه – صلى الله عليه وسلم - اقتداء بهم – أي: باليهود -؛ فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكان ذلك في الوقت الذي يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه. "فتح الباري" (4 / 248)

هل عاشوراء بدعة أموية؟

مر بنا في كلام أهل العلم ما يدل على أن يوم "عاشوراء" كان معروفاً عند قريش، وعند النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وكانوا يعظمونه، بل كانوا يصومونه، وقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم معهم، وكانوا يكسون فيه الكعبة، فأين الادعاء الباطل أن "عاشوراء" بدعة أموية مع كل هذا؟!. وقد ورد التصريح بذلك في أحاديث صحيحة ثابتة:

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. رواه البخاري (1794) ومسلم (1125) – واللفظ له -.

عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. رواه مسلم (1126).

وذكرنا حديث ابن عمر ها هنا للرد على الرافضة، ومن تبعهم على جهلهم، من ادعائهم تفرد عائشة رضي الله عنها بذكر صيام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء في مكة.

قال ابن عبد البر – رحمه الله -:

وقد روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك مثل رواية عائشة، رواه عبيد الله بن عمر، وأيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال في صوم عاشوراء "صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصومه". "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (7 / 207).

قال النووي – رحمه الله -:

والحاصل من مجموع الأحاديث: أن يوم عاشوراء كانت الجاهلية من كفار قريش، وغيرهم، واليهود، يصومونه، وجاء الإسلام بصيامه متأكداً، ثم بقيَ صومه أخف من ذلك التأكد. "شرح مسلم" (8 / 9، 10).

وقال أبو العباس القرطبي – رحمه الله -:

وقول عائشة رضي الله عنها: (كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية): يدل على أن صوم هذا اليوم كان عندهم معلوم المشروعية، والقدر، ولعلهم كانوا يستندون في صومه: إلى أنه من شريعة إبراهيم وإسماعيل، صلوات الله وسلامه عليهما؛ فإنهم كانوا ينتسبون إليهما، ويستندون في كثير من أحكام الحج، وغيره، إليهما. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3 / 190، 191).

وينظر في بيان أسباب صوم قريش ذلك اليوم: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (11/339، 340)

وأخيراً؛ فإن ما ذكرناه من صحيح السنة في فضل عاشوراء، وأن صيامه يكفر سنة، وأنه يوم ثابت في العاشر من محرم: كل ذلك لم ينفرد به أهل السنة، بل قد جاء أيضاً في كتب الرافضة المعتمدة ! فكيف يلتقي هذا مع ادعائهم أن ما عندنا هو إسرائيليات، وأخذ عن اليهود، وافتراء أموي!!؟

  1. يروى عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه أن عليّاً عليهما السلام ! قال: "صوموا العاشوراء – هكذا - التاسع، والعاشر؛ فإنه يكفر ذنوب سنة".
    رواه الطوسي في " تهذيب الأحكام " (4 / 299)، و " الاستبصار " (2 / 134)، والفيض الكاشاني في " الوافي " (7 / 13)، والحر العاملي في " وسائل الشيعة " (7 / 337)، والبروجردي في " جامع أحاديث الشيعة " (9 / 474، 475).

  2. وروي عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: "صام رسول الله صلى عليه وآله يوم عاشوراء". " تهذيب الأحكام " (4 / 29)، و " الاستبصار " (2 / 134)، و " الوافي " (7 / 13)، و " وسائل الشيعة " (7 / 337)، وهو في " جامع أحاديث الشيعة " (9 / 475).

  3. وروي عن جعفر عن أبيه عليه السلام أنه قال: " صيام يوم عاشوراء كفارة سنة ".  "تهذيب الأحكام " (4 / 300)، و " الاستبصار " (2 / 134)، و " جامع أحاديث الشيعة " (9 / 475)، وهو في " الحدائق الناضرة " (13 / 371)، و " الوافي " للكاشاني (7 / 13)، والحر العاملي في " وسائل الشيعة " (7 / 337).

  4. وعن علي رضي الله عنه قال: " صوموا يوم عاشوراء التاسع والعاشر احتياطاً؛ فإنه كفارة السنة التي قبله، وإن لم يعلم به أحدكم حتى يأكل فليتم صومه ". أخرج هذه الرواية: المحدث الشيعي حسين النوري الطبرسي في " مستدرك الوسائل " (1 / 594)، والبروجردي في " جامع أحاديث الشيعة " (9 / 475).

  5. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إذا رأيت هلال المحرم: فاعدد، فإذا أصبحت من تاسعه: فأصبِح صائماً قلت - أي: الراوي: كذلك كان يصوم محمد صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم ". أخرج هذه الرواية: الشيعي رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس في كتابه " إقبال الأعمال " (ص 554)، والحر العاملي في " وسائل الشيعة " (7 / 347)، والنوري الطبرسي في " مستدرك الوسائل " (1 / 594)، و " جامع أحاديث الشيعة " (9 / 475). 
    استفدنا هذه الروايات بتخريجاتها من كتاب " من قتل الحسين رضي الله عنه؟ " تأليف: عبد الله بن عبد العزيز.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب