الحمد لله.
من الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من شرب يوم القيامة من حوضه فلا يظمأ بعد ذلك أبداً . عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا ). رواه البخاري (6579) ومسلم (2292).
وعن سَهْل بْن سَعْدٍ قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا ...). رواه البخاري (7051) ، ومسلم (2291).
وهذه الأحاديث صريحة في أن من شرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى فلا يظمأ بعد ذلك أبداً .
قال القاضي عياض : " ظاهر حديث الحوض أنه تشرب منه الأمة كلها ، إلا من ارتد على عقبه وغيَّر وبدَّل". انتهى " إكمال المعلم " (7 / 130) .
وظاهر هذه الأحاديث أن الشرب يكون من الحوض مباشرة أو من الكيزان الموجودة عنده ، وأن الناس يشربون منه بأنفسهم .
ولم نر في شيء من روايات الحديث ما يشير إلى أن الشرب يكون بيد النبي صلى الله عليه وسلم .
ولو كان شرب الناس من الحوض بيده صلى الله عليه وسلم لأخبرنا بذلك .
ولذلك فدعاء المسلم ذكراً كان أو أنثى بأن يسقيه الله من يد الرسول صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة لا يظمأ بعدها ، يُخشى أن يكون من التعدي بالدعاء ، وسؤال الله ما لا علم لنا به .
قال ابن القيم : " فكل سؤال يناقض حكمة الله ، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره ، أو يتضمن خلاف ما أخبر به ، فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله" . انتهى من "بدائع الفوائد" (3/524).
والمشروع للمسلم أن يدعو الله أن يسقيه من حوض النبي صلى الله عليه وسلم شربةً لا يظمأ بعدها ، فيقتصر في دعائه على ما ورد في النصوص الصحيحة ، والله أعلم .
ثم إن شرب النساء من يد الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ممنوعا ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أب لجميع المؤمنين (رجالا ونساء) ، ولذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه لا يحرم عليه مس المرأة الأجنبية عنه ولا الخلوة بها .
قال الحافظ بن حجر رحمه الله : " وَالَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّة أَنَّ مِنْ خَصَائِص النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَاز الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَر إِلَيْهَا , وَهُوَ الْجَوَاب الصَّحِيح عَنْ قِصَّة أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَانَ فِي دُخُوله عَلَيْهَا وَنَوْمه عِنْدهَا وَتَفْلِيَتهَا رَأْسه ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا مَحْرَمِيّة وَلَا زَوْجِيَّة" انتهى من " فتح الباري شرح صحيح البخاري " لابن حجر (9/203) .
تعليق