الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

تسأل عن خرافة تتعلّق بالزواج بين العيدين ، وما فيها من المحاذير الشرعية

السؤال

سؤالي عن ما يعتقده الناس هنا في آسيا أنه من السيئ جدا أن يتم الزواج بين العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى) لأنه لو تم الزواج في هذه الفترة فسيموت أحد الزوجين ، أود أن أعرف هل هذا صحيح أم لا من وجهة نظر إسلامية .
كذلك فقد ذكرت في أحد أجوبتك بأنه لا يجوز تخصيص يوم 15 من شعبان بالصلاة والصيام وأن الثواب سيكون أعظم لو أن الشخص واصل العبادة على عادته .
هنا حيث أعيش ، يهتم الناس كثيرا بهذا اليوم ويصلون ويصومون لله في هذا اليوم ويقولون إن ثوابه عظيم جداً وأن هذا مذكور في الحديث الشريف وعندما أخبرتهم بإجابتك قالوا بل يوجد فضل هذا اليوم في الحديث الشريف .

الجواب

الحمد لله.

أما جواب السؤال الأول :

فهو من شقين : الأول : الاعتقاد المذكور في السؤال غير صحيح و هو من البدع والضلالات التي لا أصل لها في الشرع ، ولم يدل عليها الكتاب والسنة .

الشق الثاني : هذا الاعتقاد مخالف للشريعة الإسلامية من عدة جوانب :

الأول : الاعتقاد بالموت في هذه الفترة ، وذلك أمر لا يجوز لأن الموت والحياة بيد الله عز وجل ، وأجَلُ الإنسان مما اختص الله عز وجل بعلمه ولا أحد من الخلق يعلم وقت موته ، وهذا الأمر لم يُطلع الله أحداً من الخلق عليه ، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم  كما في المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث جبريل الطويل : .. قال : ( في خمس لا يعلمهن إلا الله ) ثم تلا : ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )  رواه البخاري (48) ومسلم (10) .

فالادعاء بأن الزواج في هذه الفترة يؤدي إلى الموت من ادعاء علم الغيب وكل من ادعى علم الغيب فهو كاذب . ولذلك كان من رؤوس الطواغيت من ادعى شيئاً من علم الغيب .

الثاني : أن فيه قدحاً في الإيمان لأن فيه عدم الإيمان بالقضاء والقدر ، ولذلك علّم النبي صلى الله عليه وسلم ابْنَ عَبَّاسٍ وكان غلاماً قال : ( وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) رواه الترمذي (صفة القيامة / 2440) ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2043) وجاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ...) رواه مسلم (القدر / 4797)

الثالث : أن فيه قدحاً في التوحيد وكماله ، لما فيه من الطِيرة والتشاؤم ، وقد جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ ) رواه البخاري (الطب / 5316)

والتطيّر هو التشاؤم . وجاء في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : ( الطيرة من الشرك ) رواه الترمذي ( السير / 1539) وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (1314)

" واعلم أن التطيّر ينافي التوحيد ووجه منافاته له من وجهين :

الأول : أن المتطيّر قطع توكّله على الله واعتمد على غيره .

الثاني : أنه تعلّق بأمر لا حقيقة له ، فأي رابطة بين هذا الأمر ، وبين ما يحصل لذلك ، وهذا لا شك أنه يخل بالتوحيد ، لأن التوحيد عبادة واستعانة . قال تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) الفاتحة /4 وقوله تعالى : ( فاعبده وتوكّل عليه ) هود/123 ولهذا كانت عائشة رضي الله عنها تقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم  تزوجها في شوال وبنى بها في شوال وكانت أحظى نسائه إليه وأحبهن إليه . وكانت العرب يتشاءمون في هذا الشهر / ويقولون إذا تزوج في شوال فإنه لا يفلح ، وهذا لا حقيقة له ...

والمتطيّر لا يخلو من حالين :

الأول : أن يحجم ويستجيب لهذه الطيرة ويدع العمل ، وهذا من أعظم التطيّر والتشاؤم .

الثاني :

أن يمضي لكن في قلق وهمّ وغمّ يخشى من تأثير هذا المتطيّر به ، وهذا أهون ، وكلا الأمرين نقض في التوحيد وضرر على العبيد " .أهـ  انظر القول المفيد لابن عثيمين ج/2 ص/77-78 .

ومن حيث الواقع العملي نجد تكذيب هذه الخرافة في السنة النبويَّة الصحيحة ، وذلك في زواج خير الخلق وهو محمد صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليه وهي عائشة رضي الله عنها ، وكان زواجه منها بين العيدين وكانت من أسعد الناس حظّاً به ، بل إنها ردَّت على هذا الزعم الجاهلي بقولها :

تزوجني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في شوال ، وبنى بي في شوال ، فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني .

قال عروة بن الزبير : وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال .

رواه مسلم ( 1423 ) .

قال النووي :

فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال ، وقد نص أصحابنا على استحبابه ، واستدلوا بهذا الحديث ، وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه ، وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال ، وهذا باطل لا أصل له ، وهو من آثار الجاهلية ، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع .

" شرح مسلم " ( 9 / 209 ) .

وقال ابن القيم :

وقد كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تستحب أن تتزوج المرأة أو يبنى بها في شوال وتقول : " ما تزوجني رسول الله إلا في شوال ، فأي نسائه كان أحظى عنده مني " مع تطير الناس بالنكاح في شوال ، وهذا فعل أولى العزم والقوة من المؤمنين الذين صح توكلهم على الله ، واطمأنت قلوبهم إلى ربهم ، ووثقوا به ، وعلموا أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنهم لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم ، وأنهم ما أصابهم من مصيبة إلا وهي في كتاب من قبل أن يخلقهم ويوجدهم ، وعلموا أنه لا بد أن يصيروا إلى ما كتبه وقدَّره ولا بد أن يجرى عليهم ، وإن تطيرهم لا يرد قضاءه وقدره عنهم ، بل قد يكون تطيرهم من أعظم الأسباب التي يجري عليهم بها القضاء والقدر فيعينون على أنفسهم ، وقد جرى لهم القضاء والقدر بأن نفوسهم هي سبب إصابة المكروه لهم فطائرهم معهم ، وأما المتوكلون على الله المفوِّضون إليه العالمون به وبأمره فنفوسهم أشرف من ذلك ، وهممهم أعلى ، وثقتهم بالله وحسن ظنهم به عدة لهم وقوة وجنة مما يتطير به المتطيرون ويتشاءم به المتشائمون ، عالمون أنه لا طير إلا طيره ، ولا خير إلا خيره ، ولا إله غيره ، ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين .

" مفتاح دار السعادة " ( 2 / 261 ) .

أما ما يتعلق بالسؤال الثاني : فيراجع جواب سؤال رقم (8907) وحكم الاحتفال بليلة النصف في شعبان في الموقع ( قسم مواضيع في المناسبات ) ..

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد