الحمد لله.
أولاً :
مما يختلف فيه الوضوء عن الاغتسال : أن الوضوء يشترط فيه الترتيب بين الأعضاء ، ولا يشترط ذلك في الاغتسال .
فإذا انغمس الجنب في البحر بنية الاغتسال مع المضمضة والاستنشاق كان ذلك صحيحاً مجزئاً ، وإذا فعل ذلك في الوضوء لم يجزئه حتى يغسل الأعضاء مرتباً .
وفي فرض الترتيب في أعضاء الوضوء قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
"قوله " والتَّرتيبُ " ، وهو أن يُطهَّر كلُّ عضو في محلِّه ، وهذا هو الفرض الخامس من فروض الوُضُوء ، والدليل : قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) المائدة/ 6 .
وجه الدِّلالة من الآية : إِدخال الممسوح بين المغسولات ، ولا نعلم لهذا فائدة إلا التَّرتيب ، وإلا لسيقت المغسولات على نسقٍ واحد ، ولأنَّ هذه الجملة وقعت جواباً للشَّرط ، وما كان جواباً للشَّرط فإِنَّه يكون مرتَّباً حسب وقوع الجواب .
ولأن الله ذكرها مرتَّبة ، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم ( أبْدَأُ بما بَدَأَ اللَّهُ به ) .
والدَّليل من السُّنَّة : أن جميع الواصفين لوُضُوئه صلّى الله عليه وسلّم ما ذكروا إِلا أنَّه كان يرتِّبها على حسب ما ذكر الله" انتهى .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 1 / 189 ، 190 ) .
وفي عدم إجزاء الانغماس في البحر في طهارة الوضوء :
1. قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله :
وإن انغمس ناوياً [يعني : الوضوء] في ماء وخرج مرتِّبا : أجزأه وإلا فلا .
وفي " حاشية الشيخ محمد بن قاسم " عليه - ( 1 / 186) - قال :
"أي : وإن لم يخرج مرتَّباً فلا يرتفع حدثه ، ونص أحمد في رجل أراد الوضوء فانغمس في الماء ثم خرج من الماء : فعليه مسح رأسه وغسل رجليه" انتهى .
2. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
إذا كنتَ في البحر تسبح : فلا حرج عليك أن تتوضأ وأنت في البحر ، مع مراعاة الترتيب والموالاة ، تبدأ بوجهك ، ثم يديك اليمنى ثم اليسرى ، ثم تمسح رأسك وأذنيك ، ثم تحرك رجليك بنية الوضوء اليمنى ثم اليسرى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 29 / 62 ) .
3. وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والحاصل : أن الغُسْلَ المجزئ : أن ينويَ ، ثم يسمِّيَ ، ثم يعمَّ بدَنَه بالغُسل مرَّة واحدة مع المضمضة والاستنشاق .
ولو أن رَجُلاً عليه جنابة فنوى الغُسْل ثم انغمس في بِرْكة - مثلاً - ثم خرج : فهذا الغُسْل مجزئ بِشَرط أنْ يتمضمض ويستنشق .
ولو أنَّه أراد الوُضُوء بعد أن انغمس : فلا يجزئ إِلا إِن خَرَج مرتِّباً ؛ لأن التَّرتيب فرْضٌ على المذهب .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 1 / 364 ) .
ولينظر جواب السؤال رقم ( 68854 ) .
ثانياً :
من كان ينغمس في الماء ويظن أنه توضأ بذلك ، فيحتمل عدم وجوب الإعادة عليه لما قد
صلاّه ؛ لأنه قد يُعذر بجهله ، فإن من صلَّى بطهارة غير صحيحة جاهلاً فليس عليه
إعادة ؛ كما فعل الصحابي الجليل عمَّار بن ياسر في تمرغه بالتراب لما كان جُنباً ،
بل وأبلغ منه من ترك الصلاة وهو جنب لظنه أنه تلزمه طهارة الغسل لا غير ، كما حصل
مع الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم
كلا الصحابيين بإعادة ما فات وقته من الصلوات ، وكلا الأمرين ثبتا في حديث واحد في
" الصحيحين " ، وانظره كاملاً في جواب السؤال رقم (
40204 ) .
ويُرجى أن يكون من فعل ذلك معذوراً ؛ لخفاء ملحظ المسألة من جهة ، ولوجود من يفتي
بخلافها من جهة أخرى .
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (
117779 ) .
والله أعلم
تعليق