الحمد لله.
هل يصح الوضوء بالانغماس في البحر؟
مما يختلف فيه الوضوء عن الاغتسال: أن الوضوء يشترط فيه الترتيب بين الأعضاء، ولا يشترط ذلك في الاغتسال.
فإذا انغمس الجنب في البحر بنية الاغتسال مع المضمضة والاستنشاق كان ذلك صحيحاً مجزئاً، وإذا فعل ذلك في الوضوء لم يجزئه حتى يغسل الأعضاء مرتباً.
وفي فرض الترتيب في أعضاء الوضوء قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
“قوله “والتَّرتيبُ”، وهو أن يُطهَّر كلُّ عضو في محلِّه، وهذا هو الفرض الخامس من فروض الوُضُوء، والدليل: قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ المائدة/ 6.
وجه الدِّلالة من الآية: إِدخال الممسوح بين المغسولات، ولا نعلم لهذا فائدة إلا التَّرتيب، وإلا لسيقت المغسولات على نسقٍ واحد، ولأنَّ هذه الجملة وقعت جواباً للشَّرط، وما كان جواباً للشَّرط فإِنَّه يكون مرتَّباً حسب وقوع الجواب.
ولأن الله ذكرها مرتَّبة، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أبْدَأُ بما بَدَأَ اللَّهُ به.
والدَّليل من السُّنَّة: أن جميع الواصفين لوُضُوئه صلّى الله عليه وسلّم ما ذكروا إِلا أنَّه كان يرتِّبها على حسب ما ذكر الله” انتهى.
” الشرح الممتع على زاد المستقنع” (1 / 189، 190).
وفي عدم إجزاء الانغماس في البحر في طهارة الوضوء:
- قال الشيخ منصور البهوتي رحمه الله:
وإن انغمس ناوياً [يعني: الوضوء] في ماء وخرج مرتِّبا: أجزأه وإلا فلا.
وفي ” حاشية الشيخ محمد بن قاسم ” عليه – (1 / 186) – قال:
“أي: وإن لم يخرج مرتَّباً فلا يرتفع حدثه، ونص أحمد في رجل أراد الوضوء فانغمس في الماء ثم خرج من الماء: فعليه مسح رأسه وغسل رجليه” انتهى. - وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
إذا كنتَ في البحر تسبح: فلا حرج عليك أن تتوضأ وأنت في البحر، مع مراعاة الترتيب والموالاة، تبدأ بوجهك، ثم يديك اليمنى ثم اليسرى، ثم تمسح رأسك وأذنيك، ثم تحرك رجليك بنية الوضوء اليمنى ثم اليسرى.
” فتاوى الشيخ ابن باز” (29 / 62). - وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
والحاصل: أن الغُسْلَ المجزئ: أن ينويَ، ثم يسمِّيَ، ثم يعمَّ بدَنَه بالغُسل مرَّة واحدة مع المضمضة والاستنشاق.
ولو أن رَجُلاً عليه جنابة فنوى الغُسْل ثم انغمس في بِرْكة – مثلاً – ثم خرج: فهذا الغُسْل مجزئ بِشَرط أنْ يتمضمض ويستنشق.
ولو أنَّه أراد الوُضُوء بعد أن انغمس: فلا يجزئ إِلا إِن خَرَج مرتِّباً؛ لأن التَّرتيب فرْضٌ على المذهب. ” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” (1 / 364).
ولينظر جواب السؤال رقم (68854).
حكم من صلى بطهارة غير صحيحة جاهلا؟
من كان ينغمس في الماء ويظن أنه توضأ بذلك، فيحتمل عدم وجوب الإعادة عليه لما قد صلاّه؛ لأنه قد يُعذر بجهله، فإن من صلَّى بطهارة غير صحيحة جاهلاً فليس عليه إعادة؛ كما فعل الصحابي الجليل عمَّار بن ياسر في تمرغه بالتراب لما كان جُنباً، بل وأبلغ منه من ترك الصلاة وهو جنب لظنه أنه تلزمه طهارة الغسل لا غير، كما حصل مع الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم كلا الصحابيين بإعادة ما فات وقته من الصلوات، وكلا الأمرين ثبتا في حديث واحد في ” الصحيحين “، وانظره كاملاً في جواب السؤال رقم (40204).
ويُرجى أن يكون من فعل ذلك معذوراً؛ لخفاء ملحظ المسألة من جهة، ولوجود من يفتي بخلافها من جهة أخرى.
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (117779).
والله أعلم.
تعليق