الحمد لله.
الخلع الذي قمت به من طرفك أنت باطل لا أثر له ؛ فالمرأة لا تملك بنفسها فسخ عقد النكاح ، سواء كان بالخلع أو الطلاق ، كما أنها لا تملك عقده ؛ بل إن المرأة تختلع من زوجها ، إن
وجد ما يدعو للخلع ، فإن قبل، فهو الذي يوقع عليها الخلع، أو الطلاق، وإن لم يقبل ترفع أمرها إلى القاضي الشرعي؛ فإما أن يرغمه على الخلع، أو الطلاق، أو لا .
فإذا تزوجت المرأة بغير زوجها الأول، قبل أن تفارقه فرقة صحيحة، إما بطلاق ، أو فسخ ، أو وفاة : فنكاحها باطل ، بإجماع أهل العلم ؛ فإن كانت عالمة ببطلانه : فهي زانية ، يجب عليها الحد ، وهو كذلك . وإن لم تكن تعلم ذلك ، أو كانت تظن أن من حقها أن تختلع بنفسها ، وأن خلعها ذلك ماض ، فهي معذورة بجهلها ، ولا يقام عليها الحد ؛ لكن نكاحها الثاني باطل أيضا ، فيلزمه أن تفارقه ، وتعتد منه ، ثم تعود إلى زوجها الأول .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" فَأَمَّا الْأَنْكِحَةُ الْبَاطِلَةُ، كَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَوْ الْمُعْتَدَّةِ، أَوْ شِبْهِهِ، فَإِذَا عَلِمَا الْحِلَّ وَالتَّحْرِيمَ، فَهُمَا زَانِيَانِ، وَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ، وَلَا يَلْحَقُ النَّسَبُ فِيهِ ... ، وَتَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ فِيهِ، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ بِالْمَوْتِ فِيهِ، وَالْإِحْدَادُ، وَكُلُّ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لَهَا " انتهى من "المغني" (7/13) .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (8/123-124) :
" اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ ، كَالنِّكَاحِ بِدُونِ شُهُودٍ ، أَوْ بِدُونِ وَلِيٍّ ، وَكَنِكَاحِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ ، وَنِكَاحِ الشِّغَارِ . وَيَزِيدُ الْحَنَابِلَةُ ثُبُوتَهُمَا بِالْخَلْوَةِ ؛ لأَنَّهُ يَنْفُذُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَشْبَهَ الصَّحِيحَ .
وَيَتَّفِقُونَ كَذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ فِي النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ : بِالْوَطْءِ ، كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ ، وَزَوْجَةِ الْغَيْرِ ، وَالْمَحَارِمِ ، إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْحَدَّ ، بِأَنْ كَانَ لا يَعْلَمُ بِالْحُرْمَةِ ؛ وَلأَنَّ الأَصْلَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ : أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ فَالْوَلَدُ لاحِقٌ بِالْوَاطِئِ .
أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْحَدَّ ، بِأَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ ، فَلا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ ؛ لأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَ الْحَدُّ فَلا يَثْبُتُ النَّسَبُ . وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لأَنَّ الْعَقْدَ شُبْهَةٌ.
وينظر أيضا: "الموسوعة الفقهية" (29/339).
وينظر جواب السؤال رقم (171791).
والحاصل:
أن المرأة في كل الأحوال: لا تملك أن تخلع نفسها من زوجها بمفردها، كما حصل منك.
وعليه: فزواجك الثاني من هذا الرجل الكاذب المتلاعب: باطل، لا حكم له؛ ويلزمك أن تعتدي منه، كالمطلقة .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفي في ذلك أن تستبرئ رحمها بحيضة واحدة .
ينظر : "الشرح الممتع" (13/381-383) .
والله أعلم .
تعليق