الحمد لله.
أولاً:
إنه لا بأس أن يصطحب المسلم ابنته الصغيرة إلى المسجد في صلاة الجماعة ، على أنه ينبغي مراعاة أمور :
1. أن تكون صغيرة دون التمييز ودون البلوغ إذا كانت في صحبة والدها أو أخيها ، أما إذا اصطحبتها أمها أو أختها فيسقط هذا القيد .
2. أن لا يحصل منها تشويش على المصلين أو إيذاء لهم ، ويكون ذلك بتوجيهها بلطف .
3. أن يؤخذ بأسباب عدم تلويثها للمسجد ببول وغائط .
4. أن يتجنب والدها إلباسها الملابس الضيقة أو القصيرة ، وهذا من باب التربية على العفاف والستر ، ويشمل ذلك جميع أماكن وجودها ، ولا شك أن المسجد أولى الأمكنة باللباس الشرعي وتجنب الزينة .
والدليل على جواز إحضار
البنات الصغيرات للمسجد ولو كنَّ دون سن التمييز : ما رواه أبو قتادة رضي الله عنه
قال : خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي
الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ ، فَصَلَّى ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا رَفَعَ
رَفَعَهَا .
رواه البخاري ( 5996 ) ومسلم ( 543 ) .
ولكن ليُعلم أن من كانت دون
التمييز – حتى من الذكور – فإنه لا يؤمن جانبهم ، ولهذا لم يكن الأصل في الشرع
إحضار من كان في مثل هذا السن للمسجد لعدم استفادته من ذلك من جهة ولوقوع الإيذاء
والعبث منه – غالباً – من جهة أخرى ، إنما يكون هذا على سبيل الأمر الطارئ ، إما
للحاجة ، أو الشيء الذي يحدث على قلة وندرة ، أو نحو ذلك ؛ وفعل النبي صلى الله
عليه وسلم مع زينب لم يكن على سبيل العادة الدائمة ؛ بل جاء في رواية أن أمامة بنت
زينب تعلقت بجدها صلى الله عليه وسلم عند خروجه للمسجد فحملها وجاء بها المسجد .
قال الصنعاني رحمه الله : " فِي قَوْلِهِ: كَانَ يُصَلِّي، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا
الْحَمْلَ لِأُمَامَةَ وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مَرَّةً وَاحِدَةً لَا غَيْرُ" انتهى من "سبل السلام" (1/211) .
فلا ينبغي الاستدلال بالحديث على إحضار المشاغبين والمشاغبات والمؤذين والمؤذيات
لبيوت الله تعالى ، فإنه لو فرض وجود مصلحة من إحضارهم فإن مفاسد ذلك أعظم من
المصالح بكثير ودفع المفاسد والحالة هذه يقدَّم على جلب المصالح .
قال ابن القاسم - رحمه الله - : " سُئِل مالكٌ عن الصبيان يُؤتى بهم المساجد ؟ قال
: إن كان لا يعبث لصغره ويُكفُّ إذا نُهيَ : فلا أرى بهذا بأساً .
قال : وإن كان يعبث لصغره : فلا أرى أن يُؤتى به إلى المسجد " انتهى من " المدونة "
( 1 / 106 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " يُصانُ المسجد عما يؤذيه ويؤذي
المصلين فيه ، مِن رفع الصبيان أصواتهم فيه ، وكذلك توسيخهم لِحُصُرِه ، ونحو ذلك ،
لا سيما إن كان وقت صلاة ؛ فإن ذلك من عظيم المنكرات " انتهى من " مجموع الفتاوى "
( 22 / 204 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة : " أما إذا كان الطفل غير مميز : فالأفضل ألا يحضر إلى
المسجد ؛ لأنه لا يعقل الصلاة ولا معنى الجماعة ولما قد يسببه من الأذى للمصلين .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " المجموعة الثانية ( 5 / 263 ، 264 ) .
ولينظر جواب السؤال ( 132895 )
ورقم (112973) ففيهما مزيد فائدة .
ثانياً:
مما ينبغي معرفته في هذا الباب أن إحضار الأنثى لبيت الله تعالى ليس كإحضار الصبي
الذكر ؛ وذلك أن المسلم يحتاج أن يعلِّم ابنه الصلاة ويربيه في بيت الله تعالى
ويعوده على المجيء للمسجد ، لأن صلاة الجماعة في المسجد عند بلوغه واجبة عليه ،
وليس الأمر كذلك بخصوص النساء عند بلوغهن ، بل إنه الشريعة قد رغَّبتهن أن يصلين في
بيوتهن ، وجعلت ذلك أفضل من صلاتهن حتى في بيت الله الحرام والمسجد النبوي ، فاختلف
أمر البنات الصغيرات عن الصبيان الذكور اختلافاً بيِّناً ، وما ذكره السائل من آثار
سيئة من إحضار بعض المسلمين لبناتهم للمساجد صحيح ونقره عليه ، ولذا فإننا ننبه
أولئك المصلين إلى أن اهتمامهم ينبغي أن ينصب في هذا الجانب على أبنائهم الذكور لما
سبق ذِكره ، وليكن أمر البنات إلى الأمهات ؛ فتصلي البنت مع أمها في البيت ؛
لتعوِّدها على عدم الخروج من المنزل ، وتعلمها أن صلاتها في البيت أفضل من صلاتها
في المسجد ، ولتعتاد على عدم الاختلاط بالذكور ، وهذه منافع عظيمة يجب على الأهل
والمربين وطلاب العلم أن لا يغفلوها عند الحديث عن هذه المسألة .
وبخصوص ملابس البنات ووجوب
تربيتهم على الأخلاق الحميدة الفاضلة منذ صغرهم وتعويدهم على لباس الحشمة وتأثير
لبس القصير والعاري عليهن : انظر أجوبة الأسئلة (103526)
و ( 43485 ) و (
6906 ) ففيها مزيد بيان .
والله أعلم
تعليق