الحمد لله.
إذا كان المراد بصوم كل الأيام : أن تسرد الصوم تباعا بدون إفطار إلا في الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق ، فالراجح من كلام أهل العلم كراهته والنهي عنه .
وينظر لبيان ذلك إجابة السؤال رقم (144592) .
وأما إن كنت تريد سرد الصوم
بعض العام فلا حرج فيه ، وقد ثبتت به السنة ؛ فروى البخاري (1806) ومسلم (1890)
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ
سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ ، أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ ؟ ( قَالَ
صُمْ إِنْ شِئْتَ وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ ) .
وروى النسائي (2319) عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ فَيُقَالُ لَا يُفْطِرُ ،
وَيُفْطِرُ فَيُقَالُ لَا يَصُومُ " . وصححه الألباني في "صحيح النسائي"
وروى البخاري (1833) ومسلم (1956) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ
لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا
رَمَضَانَ ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَأَمَّا سَرْدُ الصَّوْمِ بَعْضَ الْعَامِ فَهَذَا قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ ، قَدْ كَانَ يَصُومُ حَتَّى يَقُولَ
الْقَائِلُ لَا يُفْطِرُ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ لَا يَصُومُ ،
وَكَذَلِكَ قِيَامُ بَعْضِ اللَّيَالِي جَمِيعَهَا ، كَالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ
رَمَضَانَ أَوْ قِيَامِ غَيْرِهَا أَحْيَانًا ، فَهَذَا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ
السُّنَنُ " .
انتهى "مجموع الفتاوى" (22 /304) .
وأفضل من ذلك صوم نبي الله
داود عليه السلام ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، فروى البخاري (1841) ومسلم (1962)
عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " بَلَغَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَأُصَلِّي اللَّيْلَ
فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ وَإِمَّا لَقِيتُهُ فَقَالَ : ( أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ
تَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ وَتُصَلِّي ؟ فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ
لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا ) قَالَ
: إِنِّي لَأَقْوَى لِذَلِكَ قَالَ ( فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام )
قَالَ وَكَيْفَ قَالَ ( كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلَا يَفِرُّ
إِذَا لَاقَى ) .
وفي رواية ( وهو أعدل الصيام ) رواه البخاري (3165) ومسلم (1962) .
وفي رواية ( لا أفضل من ذلك ) رواه البخاري (1840) ومسلم (1962) .
قال ابن القيم رحمه الله :
" ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال ( أفضل الصيام صيام داود ) وفي
لفظ ( لا أفضل من صوم داود كان يصوم يوما ويفطر يوما ) فهذا النص الصحيح الصريح
الرافع لكل إشكال يبين أن صوم يوم وفطر يوم أفضل من سرد الصوم " .
انتهى "تهذيب السنن" (7 /71) .
على أن أكمل الهدي في حق كل
شخص أن يختار لنفسه من النوافل ما يقدر على القيام بحقه ، والمداومة عليه ، ولا يشق
على نفسه بما يقطعها عن باقي الأعمال وأبواب الخير .
فانظر فيما تقدر عليه من ذلك فاجتهد فيه ، واحرص على نوافل الطاعة الثابتة عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، في الصيام وغيره .
وأما الإقلاع عن التدخين : فهو أمر حسن ، نشجعك على أن تمضي فيه ، وأن تكون ذا عزم
وحزم مع نفسك في أمره ، ولا شك أن الصيام سوف يعينك على كثير من ذلك ، واجتهد في أن
تشغل نفسك بالطاعات ، وبيئة الخير حتى لا تنازعك إليه مرة أخرى .
وينظر جواب السؤال رقم (47565) .
والله أعلم .
تعليق