الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

من كان بمكة وأراد أن يعتمر مرة أخرى ماذا يفعل ؟

السؤال

أنوي الذهاب لأداء العمرة مع إخوتي قريبا ، وسوف تقلع بنا الطائرة من المملكة المتحدة ، وسوف نلبس ملابس الإحرام قبل الميقات بالقرب من مطار جدة ، وبعد الانتهاء من العمرة إذا ما أردنا أن نقوم بأداء العمرة لأحد الوالدين المتوفى ، على أن يقوم أحد الإخوة بعمل عمرة عن الأب ويقوم الأخ الثاني بعمل العمرة عن الأم مثلا ، فأي ميقات يجب أن نذهب إليه لكي نجدد نية العمرة للوالدين ونحرم من هناك ؟ وهل يجب علينا أن نقوم بتغيير ملابس الإحرام لأداء العمرة عن الوالدين ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً :
تكرار المسلم العمرة في سفرة واحدة ، عن نفسه ، أو عن غيره ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا صحابته الكرام رضوان الله عليهم ، ولا من هدي السلف الصالح ؛ إذ الأصل أن لكل عمرة سفرة .
قال ابن القيم رحمه الله في " زاد المعاد " ( 2 / 89 ، 90 ) :
"ولم يكن في عُمَره صلى الله عليه وسلم عمرةٌ واحدةٌ خارجاً من مكة ، كما يفعل كثير من الناس اليوم ، وإنما كانت عمَرُه كلُها داخلاً إلى مكة ، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة ، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة في تلك المدة أصلاً ، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها هي عمرة الداخل إلى مكة ، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر ، ولم يَفعل هذا على عهده أحدٌ قط ، إلا عائشة وحدها بين سائر من كان معه ؛ لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة ، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها ، فوجدت في نفسها أن يرجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين - فإنهن كن متمتعات ، ولم يحضن ، ولم يقرنَّ - وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها ، فأمر أخاها أن يُعمرها من التنعيم ؛ تطييباً لقلبها ، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة ، ولا أحدٌ ممن كان معه " انتهى .

ثانيًا :
رخص جمهور أهل العلم لمن اعتمر في سفرته ، أن يأتي بعمرة أخرى ، خاصة إذا كان آفاقيا بعيد السفر ، يشق عليه العود من جديد ، ويلزمه حينئذ أن يخرج إلى أدنى حل له ، فيحرم منه بالعمرة الأخرى .
روى البخاري (1215) ومسلم (1211) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ ، فَقَالَ : ( يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنْ التَّنْعِيمِ ) ، فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ فَاعْتَمَرَتْ " . (أَحْقَبَهَا) أي أركبها خلفه .
وفي رواية للبخاري ومسلم : قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن : ( اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ) .
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (8/210) :
" ( اُخْرُجْ بِأُخْتِك مِنْ الْحَرَم فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ) فِيهِ دَلِيل لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاء : أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْعُمْرَة فَمِيقَاته لَهَا أَدْنَى الْحِلّ ، وَلا يَجُوز أَنْ يُحْرِم بِهَا مِنْ الْحَرَم .
قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخُرُوج إِلَى الْحِلّ لِيَجْمَع فِي نُسُكه بَيْن الْحِلّ وَالْحَرَم ، كَمَا أَنَّ الْحَاجّ يَجْمَع بَيْنهمَا ، فَإِنَّهُ يَقِف بِعَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي الْحِلّ ، ثُمَّ يَدْخُل مَكَّة لِلطَّوَافِ وَغَيْره .
هَذَا تَفْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ ، وَهَكَذَا قَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاء : أَنَّهُ يَجِب الْخُرُوج لإِحْرَامِ الْعُمْرَة إِلَى أَدْنَى الْحِلّ ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي الْحَرَم وَلَمْ يَخْرُج لَزِمَهُ دَم ، وَقَالَ عَطَاء: لا شَيْء عَلَيْهِ ، وَقَالَ مَالِك : لا يُجْزِئهُ حَتَّى يَخْرُج إِلَى الْحِلّ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَقَالَ مَالِك: لا بُدّ مِنْ إِحْرَامه مِنْ التَّنْعِيم خَاصَّة ، قَالُوا : وَهُوَ مِيقَات الْمُعْتَمِرِينَ مِنْ مَكَّة ، وَهَذَا شَاذّ مَرْدُود ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِير أَنَّ جَمِيع جِهَات الْحِلّ سَوَاء ، وَلا تَخْتَصّ بِالتَّنْعِيمِ " انتهى .
قال الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ " (1/282) :
" فأما العمرة من التنعيم فإنه من شاء أن يخرج من الحرم ثم يحرم ، فإن ذلك مجزئ عنه إن شاء الله ، ولكن الفضل أن يهل من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما هو أبعد من التنعيم " انتهى .
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (2/133):
" ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل ، والأفضل أن يحرم من الجعرانة أو التنعيم " انتهى .
وقال "ابن قدامة" في المغني (3/246):
"وأهل مكة إذا أرادوا العمرة فمن الحل ، وإذا أرادوا الحج فمن مكة ، أهل مكة ومن كان بها سواء كان مقيماً بها أو غير مقيم ؛ لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتاً له ، وكذلك كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج ، وإن أراد العمرة فمن الحل لا نعلم في هذا خلافاً ، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أن يُعمِر عائشة من التنعيم " انتهى .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز : إذا أتى الشخص إلى مكة المكرمة لأداء الحج أو العمرة ، فهل يجوز له بعد الانتهاء من حجته أو عمرته ، أن يؤدي عمرة أخرى له أو لغيره في نفس هذا الموسم الذي أتى فيه ، بحيث يخرج من مكة إلى التنعيم للإحرام ثم يقضي هذه العمرة ، أرجو الإفادة ؟
فأجاب رحمه الله : "لا حرج في ذلك ، والحمد لله ، إذا قدم للعمرة أو للحج فحج عن نفسه أو اعتمر عن نفسه أو حج عن غيره ، أو اعتمر عن غيره وأحب أن يأخذ عمرة أخرى لنفسه أو لغيره ، فلا حرج في ذلك ، لكن يأخذها من الحل ، يخرج من مكة إلى الحل ، التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما فيحرم من هناك ، ثم يدخل فيطوف ويسعى ويقصر ، سواء عن نفسه أو عن ميت من أقاربه وأحبابه أو عن عاجز ، شيخ كبير ، أو عجوز كبيرة ، عاجزين عن العمرة فلا بأس ، وقد فعلت هذا عائشة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنها اعتمرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم استأذنت في ليلة الحصبة ليلة ثلاثة عشرة وليلة أربعة عشر استأذنت من ليلة ثلاثة عشر استأذنت في ليلة الحصبة وهي مساء اليوم الثالث ليلة أربعة عشر ، استأذنت أن تعتمر فأذن لها عليه الصلاة والسلام ، وأمر عبد الرحمن بن أبي بكر وهو أخوها أن يذهب معها إلى التنعيم فاعتمرت رضي الله عنها ، وهذه عمرة ثانية من داخل مكة .
فالحاصل: أنه لا حرج أن يؤدي الإنسان الحج عن نفسه أو العمرة عن نفسه ثم يعتمر لشخص آخر، أو يعتمر عن غيره أو يحج عن غيره ثم يعتمر لنفسه ، لا حرج في ذلك " انتهى من فتاوى " نور على الدرب".
وعلى ذلك : الذي يشرع لك إن حضرت من المملكة المتحدة واعتمرت عن نفسك ، ثم أردت أن تعتمر عن والدك المتوفى ، أن تخرج للحل وأدناه التنعيم ، وتحرم من هناك ، ثم تعود إلى مكة فتؤدي العمرة عن المتوفى .
ولا يلزمك تغيير ملابس الإحرام التي اعتمرت بها ، بل يجوز أن تحرم في أي ملابس ما دامت قد تحققت فيها الشروط ، لكن يستحب أن تكون الملابس نظيفة بيضاء .
ولمزيد من التفصيل يمكنك مراجعة الجواب رقم (109341) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب