الأحد 10 ربيع الآخر 1446 - 13 اكتوبر 2024
العربية

حُكم وحِكمة تحريم تصوير وتشكيل ذوات الأرواح

السؤال

لماذا تُعد الفنون التشكيلية والرسم حراماً في الإسلام ؟ ما الدليل من الكتاب والسنَّة ؟ فعلى حد ما وصل إليه بحثي أن المسألة غير واضحة ، أو قل مختلف فيها . حجة من قال بحرمة هذه الأشياء أن فيها مضاهاة لخلق الله ، وهذا شرك وقدح في التوحيد ، لكن ألا ترون أن هذا لا ينطبق إذا كان الرسّام أو الفنان مسلماً موحداً ولا يقصد بذلك المضاهاة أو الإشراك ؟! فجلّ ما يفعله الرسام أو الفنان هو فقط رسم وتجسيد صورة قائمة مسبقاً ، فلا خلق ولا إيجاد ، إذ لا يقدر على ذلك إلا الله ، فأين المشكلة إذاً ؟!

الجواب

الحمد لله.

أولاً:
الفن التشكيلي أو الرسوم الفنية ليست حراما كلها ، وإنما المحرم منها ما اشتمل على رسم وتشكيل ذوات الأرواح ، وفعل ذلك ليس شركاً ، وإنما هو محرَّم ، وكبيرة من الكبائر ؛ لأن فيه مضاهاة لفعل الله ، وهو ذريعة ووسيلة إلى الشرك ، وهاتان هما أبرز الحكَم في تحريم تصوير ذوات الأرواح .
قال النووي – رحمه الله - : " قال العلماء : سبب امتناعهم – أي : الملائكة - من بيتٍ فيه صورة : كونها معصية فاحشة ، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى " انتهى من " شرح مسلم " ( 14 / 84 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 7222 ) – مهم - .

ثانيا :
لا يعني كونه مسلماً موحِّداً أن فعله سيكون حلالاً ، بل إنه لو كان محققاً للإسلام لاستسلم لحكم الشرع ، ولكفَّ عن فعل المنهي عنه ، والشريعة المطهرة جاءت بسد الذرائع الموصلة للشرك والمحرمات ، والوسائل تأخذ أحكام المقاصد كما قال أهل العلم ، ونحن متفقون على عدم قدرة العبد على إيجاد شيء مماثل لخلق الله ، فهو منهي – في الأحاديث – عن التصوير والتشكيل الذي هو من فعل الله تعالى ، وإنما فعل العبد العاصي مشابه في الظاهر لا في الحقيقة .

وهذا الأمر الذين يستهين به كثيرون ، قد كان السبب في أول شرك بدأ في الأرض ؛ حيث صوَّر قوم نوح عليه السلام بعض أشكال رجال صالحين منهم – وهم ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر – ليتذكروهم بالدعاء والثناء ، وليكونوا سبباً في حثهم على الطاعات ، فلما طال الأمد عبدوهم وأشركوا بالله تعالى ، قال تعالى : ( وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا . وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا ) نوح / 22-23 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - : " وهذه أسماء رجال صالحين لما ماتوا زين الشيطان لقومهم أن يصوروا صورهم لينشطوا -بزعمهم- على الطاعة إذا رأوها ، ثم طال الأمد وجاء غير أولئك ، فقال لهم الشيطان : إن أسلافكم يعبدونهم ويتوسلون بهم وبهم يسقون المطر ، فعبدوهم ، ولهذا أوصى رؤساؤهم للتابعين لهم أن لا يدعوا عبادة هذه الآلهة " انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 889 ) .

ثالثاً:
أما الأدلة على تحريم رسم وتشكيل ذوات الأرواح فهي كثيرة ، منها :
1. عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ) .
رواه البخاري ( 5607 ) ومسلم ( 2108 ) .
2. وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ ) .
رواه البخاري ( 5610 ) ومسلم ( 2107 ) .
قال النووي – رحمه الله- : " قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم ، وهو من الكبائر ؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور فى الأحاديث ، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال ؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى ، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أودرهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها ، وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان : فليس بحرام ، هذا حكم نفس التصوير " انتهى من " شرح مسلم " ( 14 / 82 ) .

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يخاطب بهذه الأحكام كفار قريش فحسْب ، بل خاطب الصحابة بذلك أيضا ، وهو خطاب لعموم الأمة ، فلا فرق في كون الفاعل مسلماً أو كافراً .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ : ادْنُ مِنِّي ، فَدَنَا مِنْهُ ثُمَّ قَالَ : ادْنُ مِنِّي ، فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ، قَالَ : أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( كُلُّ مُصَوِّرٍ فِى النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِى جَهَنَّمَ ) وَقَالَ ، أي : ابن عباس : إِنْ كُنْتَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ " .
رواه البخاري ( 2112 ) ومسلم ( 2110 ) .

والخلاصة : أن صور ذوات الأرواح المرسومة باليد أو المنحوتة على خشب وغيره أو المشكَّلة بالطين وغيره : لا يُشك في حرمتها ، وهي داخلة في نصوص الوعيد للمصورين ، وأما الحكمة من هذا التحريم فقد سبق بيانها .
وينظر تفصيل هذا في أجوبة الأسئلة ( 34839 ) و ( 10668 ) و ( 39806 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب