الحمد لله.
من كان حديث عهد بإسلام ، فلم يتمكن من إقامة ما افترض الله عليه من الطهارة أو الصلاة أو الصيام على الوجه المشروع الذي تبرأ به الذمة ؛ لجهله بالأحكام ، ولعدم وجود وسيلة كافية صحيحة تمكنه من العلم الصحيح ، فظن أن الذي هو عليه هو الشرع ، ثم لما تبين له خطؤه اتبع الحق واستقام على شرع الله وحكمه ، لم يؤمر أن يعيد ما كان قد أساء فيه من فرائض الله ، ويعذر بالجهل ؛ فإنه لم يتلبس بما تلبس به من قبل إلا بجهله وخطئه ، وهو في ذلك معذور ؛ لعموم قوله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) الإسراء/ 15 ، وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ) القصص/ 59 ، وقال تعالى : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) البقرة/ 286 .
وروى ابن ماجة (2043) عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) .
صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" .
وقال الحافظ في الفتح (5/161) :
" وَهُوَ حَدِيث جَلِيل , قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نِصْف الْإِسْلَام , لِأَنَّ الْفِعْل إِمَّا عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ أَوْ لَا , الثَّانِي مَا يَقَعُ عَنْ خَطَأٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ فَهَذَا الْقِسْم مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقٍ وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ الْإِثْم أَوْ الْحُكْم أَوْ هُمَا مَعًا ؟ وَظَاهِر الْحَدِيث الْأَخِير , وَمَا خَرَجَ عَنْهُ كَالْقَتْلِ فَلَهُ دَلِيل مُنْفَصِل " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" من كان يصلي بلا طمأنينة ولا يعلم أنها واجبة : فهذا قد اختلفوا فيه : هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت أو لا ؟ على قولين معروفين ، وهما قولان في مذهب أحمد وغيره .
والصحيح : أن مثل هذا لا إعادة عليه ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته : ( اذْهَبْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ) - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - فَقَالَ : " وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي مَا يَجْزِينِي فِي صَلَاتِي " ، فعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالطمأنينة – متفق عليه - ، ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت مع قوله : " وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا " ولكن أمره أن يعيد تلك الصلاة ؛ لأن وقتها باق ، فهو مأمور بها أن يصليها في وقتها ، وأما ما خرج وقته من الصلاة : فلم يأمره بإعادته مع كونه قد ترك بعض واجباته ؛ لأنه لم يكن يعرف وجوب ذلك عليه ، وكذلك لم يأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقضي ما تركه من الصلاة لأجل الجنابة ؛ لأنه لم يكن يعرف أنه يجوز الصلاة بالتيمم ، وكذلك المستحاضة قالت له : " إني أستحاض حيضة شديدة منكرة تمنعني الصوم والصلاة " فأمرها أن تتوضأ لكل صلاة ، ولم يأمرها بقضاء ما تركته ، وكذلك الذين أكلوا في رمضان حتى تبين لأحدهم الحبال البيض من الحبال السود ، أكلوا بعد طلوع الفجر ولم يأمرهم بالإعادة ، فهؤلاء كانوا جهالا بالوجوب ، فلم يأمرهم بقضاء ما تركوه في حال الجهل ، كما لا يؤمر الكافر بقضاء ما تركه في حال كفره وجاهليته ؛ بخلاف من كان قد علم الوجوب وترك الواجب نسيانا ، فهذا أمره به إذا ذكره " .
انتهى من" مجموع الفتاوى " (21 /429 - 431) .
وقال السيوطي رحمه الله :
" كُلُّ مَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ غَالِبُ النَّاسِ لَمْ يُقْبَلْ مِنه دَعْوَى الجهْل ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ ، أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ يَخْفَى فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ : كَتَحْرِيمِ الزِّنَا ، وَالْقَتْلِ ، وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ ، وَالْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ ، وَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ " .
انتهى من "الأشباه والنظائر" (ص: 200) .
وعلى ذلك : فلا إعادة عليك لتلك الصلوات التي صليت من قبل ، والحمد لله الذي وفقك للإيمان ، ونسأل الله لنا ولك الاستقامة على طريق أهل السنة والجماعة .
وعليك الاتصال بالمراكز الإسلامية التي تقوم على توعية الناس وتعريفهم بأمور دينهم ؛ لمعرفة الدين الصحيح وكيفية الاستقامة على منهج السلف الصالح .
وكذا الاطلاع على المواقع الإسلامية التي تنتهج منهج أهل السنة .
وينظر للفائدة إجابة السؤال رقم (119755) ، والسؤال رقم (164080) .
والله أعلم .
تعليق